أحمد الجارالله : غزة نكبة ثانية… يا عرب أدِّبوا المتاجرين بالقضية
لم يعد الأمر يتقبل المجاملات، ولا الكلام المعسول، فما يجري في غزة يفوق الوصف، وإذا كنا نحمِّل إسرائيل المسؤولية، وهذا واقع لأنها رفضت من الأساس كل المبادرات العربية لإنهاء المأساة المستمرة من عام 1947، ففي المقابل لا بد من قول الحقيقة، وهي أن المنظمات الفلسطينية انحرفت عن هدفها الأساسي، وعملت على اللجوء إلى أسلوب فاسد في مقاربة قضيتها، تارة عبر ابتزاز الدول العربية، وطورا في ممارسة الإرهاب، من خطف الطائرات والتفجير والاغتيالات في العالم، وهو ما أدى إلى الانكفاء عن تأييد حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.اليوم، ومع إصرار إسرائيل على استكمال اجتياح رفح، آخر المناطق الآمنة لأهل غزة، وتأييد الغرب وأوروبا لها، والدعم الأميركي بلا شروط لهذه العملية، لا بد من السؤال: هل عملية “طوفان الأقصى” حققت أهدافها، وهذا ما كان يسعى إليه قادة “حماس” في غزة؟نعم، لا بد من محاسبة تل أبيب على كل الجرائم، لكن ماذا عن محاسبة المسؤولين أيضا عن مغامرة السابع من أكتوبر، وهل وضع القضية أمام الرأي العام العالمي، يستدعي قتل نحو 36 ألفا من الأبرياء، وما يزيد على 78 ألف جريح، وتدمير كامل قطاع غزة، والتسبب بالمجاعة لأهله، وتدمير البنية الاقتصادية، وقد بلغت الخسائر إلى اليوم ما يزيد على 19 مليار دولار؟لا شك أن ما يجري في غزة هو نكبة ثانية، أفظع من النكبة الأولى عام 1948، بل إن ما خسره الشعب الفلسطيني خلال 75 عاما، لا يوازي ما جرى خلال 215 يوماً، لذا لابد من سؤال يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهما من قادة “حماس” وبقية الفصائل: إلى متى أنانيتكم تعميكم عن رؤية الواقع، وهل يمكن أن يكون تحقيق مشروع مشغلكم الإقليمي أهم من أهلكم؟هذا السؤال يطرح أيضا على كل الميليشيات التي تعمل وفق الـ”ريموت كنترول” أكانت الفصائل العراقية الطائفية، أو “حزب الله” اللبناني، أو الحوثيون، وغيرها مما تسببت بكل المآسي طوال 44 عاما، تلبية لمبدأ فاسد هو “تصدير الثورة” الذي جلب النكبات على العالم العربي.فاليوم، يصرخ قادة “حماس” و”الجهاد” وبقية تلك الميليشيات العبثية طلباً لمساعدة العالمين العربي والإسلامي، ويهددون بالمزيد من الابتزاز لقادتهما، فمرة يتهمونهم بالرجعية، وأخرى بالتصهين، بينما المتصهين الوحيد هو من يخدم المخطط الإسرائيلي عبر تفتيت الشعوب العربية، بالفتن الطائفية، وممارسة الإرهاب.قادة تلك الفصائل ولا مرة كانوا على قدر من المسؤولية لإدراك أن مقتل إسرائيل الحقيقي هو في تحجيمها من خلال معاهدات سلام، وأن إفشال فكرتها عن أن العرب سيرمون اليهود في البحر ليست صحيحة، وبالتالي إلزامها بحل الدولتين، وفقاً للمبادرة السعودية المقرة بمؤتمر قمة بيروت، فهي الأساس لخروج الجميع من مأزقهم.أيضا، إن وجود حكومة فلسطينية واحدة شرعية، وليس سلطتين واحدة في رام الله، وأخرى في غزة، ينهي معاناة الشعب الفلسطيني، ويصوب اتجاه البوصلة، نحو تقرير المصير، واعتراف العالم بالدولة.لذا، لا بد من سلطة وطنية واحدة تدير القضية الفلسطينية، ويكفي الانبطاح العربي لهذه المنظمات التي تديرها دول مارقة، فالمأساة باتت مفتوحة على كل الاحتمالات، ولم يعد هناك أي منفذ للخروج من الجحيم الفظيع إلا بوضع جميع العرب أمام مسؤولياتهم، حيال الممارسات العبثية لقادة ميليشيات تربوا على الابتزاز، وراكموا الثروات على حساب دم الأبرياء في فلسطين، وبقية الدول، التي ما دخلتها تلك المنظمات إلا عاثت فساداً فيها، وقد صدق الله العزيز الحكيم اذ قال: “وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ”.