أحمد الصراف : شيعة الكويت وعاشوراء
منذ أن اكتشف الإنكليزي د. إدوارد جينر، رائد علم المناعة، لقاح الجدري عام 1796، ونسبة كبيرة من البشر، حتى اليوم، تعارض أخذ اللقاح، وهذا دفع الحكومات الواعية إلى فرضه بالقوة، كما فرضت التعليم الإجباري، تحت طائلة العقوبة، وهذا من التدخلات الحكومية الحميدة في حياة الشعوب، وهذا ما رأيناه مؤخراً عندما تدخلت السلطة للحد من بعض مظاهر شهر محرم «الدخيلة»، باعتراف عشرات فقهاء وخطباء وآيات الله الشيعة، والتي أصبحت، مع الوقت، تمثل هاجساً أمنياً واجتماعياً مقلقاً!
لا حاجة للتأكيد على أن مراسم إقامة شعائر عاشوراء أصبحت بالفعل مختلفة تماماً عما كانت عليه في السابق. فقد دخلت عليها، وغالباً من دول الجوار، أمور غريبة بالفعل، وأصبحت فجأة تتسم «بالقدسية»، تمنع الاقتراب منها، وهي التي لم تكن أصلاً معروفة حتى قبل بضع سنوات! علماً بأن عدم أدائها لن يغيّر شيئاً من وقار المناسبة، وجلالها في عيون وقلوب المؤمنين بها، بعيداً عن المتاجرة بالدين والمذهب، على حساب العقل والمنطق.
هذه المغالاة الشديدة في إقامة «الشعائر»، أصبحت عذراً لتطرف الغير، وبالتالي كان على السلطة التدخل والحد من غلواء كل الأطراف، فلا يجوز السماح لأي كان بتكفير غيره، أو السخرية من تصرفه، أو تحريم مأكله أو شعائره، علناً وعبر مختلف وسائل الإعلام، من دون محاسبة!
إن المغالاة تكون أحياناً نتيجة عدم الشعور بالاطمئنان، فكلما شعر الإنسان بالأمان قل ضجيجه، وقّلت الأقفال والمفاتيح في حياته، وقلّ شكّه في الغير وتلفته يميناً ويساراً، ومن مهام السلطات نشر الاطمئنان في القلوب.
نعود ونكرر بأن ما قامت به الداخلية مؤخراً، ولست من مؤيدي كل قراراتها، كان من الضروري القيام به، فالتطرف يجر التطرف، والمغالاة تجر المغالاة، والسكوت عن تجاوز اليوم سيشجع على تجاوز أكبر في الغد، وهكذا.
* * *
إن عقلاء الشيعة، والسنّة أيضاً، يطالبون بعودة «عاشوراء»، التي كانوا يعرفونها، والتي طالما اشتاقوا لها، بكل ما كانت عليه من وقار وبساطة، بعيداً عن الدخيل من الرايات، وعن المبالغة في المضافات، والتنافس على نوعية الوجبات، والتوسع في الساحات. يريدون عاشوراء دون مظاهر، بل مشاعر صادقة وعزة نفس بعيداً عن المبالغة بمختلف الممارسات، فرسالة عاشوراء تتطلب استذكار عظمة المناسبة وجلال التضحية، والتعلم منها والاقتداء بها، مع التحلي بالعقل والمنطق، وليس نشر البغضاء وتهديد الآخر، فهذه لا ينتج عنها غير خلق المزيد من العداوة والحقد!
علينا أن نتعلم من تجارب المجتمعات الأخرى، وكيف استغل فيها البعض سذاجة العوام، وحولوا هذه المناسبة الحزينة والمقدسة لمجموعة من المظاهر المتشددة، التي لا ينتج عنها شيء مفيد، والتي تستغرق أحياناً أربعين يوماً، بلا انقطاع، يصبح خلالها ما لم يكن معروفاً ومطلوباً «شعائر مقدسة» لا يجوز الاقتراب منها.
* * *
كلمة أخيرة: هل تساءل عقلاء الطائفة الشيعية، لماذا غالباً ما نجد هذه المظاهر، بكل ما تتضمنه، في المجتمعات الأكثر فقراً والأقل تعليماً؟
ولماذا لا نجد ما يماثل هذه الممارسات في إيران، مثلاً، التي تعد نفسها، ويعدها الكثير من الشيعة، الممثلة للمذهب وحاميته؟
*القبس