فوزية رشيد:محاولة اغتيال «ترامب» والعنف المتأصل في أمريكا!
{ لو دخلنا إلى سجل (العنف الرئاسي في أمريكا)، فإن اغتيال رؤساء ومحاولات اغتيالهم، هي كثيرة ومتعددة منذ اغتيال «أبراهام لينكولن» محرر العبيد إلى اغتيال «كينيدي»، إلى اغتيال آخرين، بل إن «ترامب» نفسه تعرّض لعدة محاولات سابقة لاغتياله! هذا يضع ستارًا أسود على حقيقة الديمقراطية الامريكية، التي تبدو الآن في مازق كبير، بسبب الميل المتزايد للعنف في المجتمع الأمريكي، خاصة مع مخاوف نشوب حرب أهلية، وترجيح لغة الصدام في ظل وجود السلاح بيد الغالبية العظمى من الأمريكيين!
ولذلك جاءت محاولة اغتيال «ترامب» السبت الماضي، خلال التجمع الانتخابي في ولاية بنسلفانيا، لتبدو وكأنها غير مستغربة خاصة مع هجوم «بايدن» وأنصاره وشيطنة «ترامب» في كل خطاباته، بما دفع «نائب ترامب» السيناتور الأمريكي «جيمس ديفيد فانس» إلى القول بعد محاولة الاغتيال إن «ما حدث ليس مجرد واقعة منفردة… الفرضية الأساسية لحملة بايدن هي أن الرئيس (ترامب) فاشي استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن، وأدى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترامب».
{ محاولة الاغتيال بدت وكأنها إحدى لقطات أفلام هوليوود الاستخباراتية! ولكن كان الواقع أكثر افراطًا في الخيال حين مرت الرصاصة بالقرب من أذنه ولم تخترق رأس ترامب، ليقف بعدها وسط المحيطين به أمنيًا، فيرفع يده قائلاً «قاتلوا» فيما الدم يظهر على أذنه اليمن وخده! كثير من المحللين قالوا إن «الرصاصة الطائشة قرّبت ترامب إلى البيت الأبيض، أخطأته ولكنها أصابت (بايدن) في مقتل، بسبب ارتفاع جماهيرية (ترامب) إلى أعلى مستوى بعد نجاته من محاولة الاغتيال»!
{ حين قال (بايدن) «لا مكان في أمريكا لهذا النوع من العنف إنه أمر مقزز» كان يعرف قبل غيره أنه يكذب فيما يقول، أو ربما يتجاهل حقيقة المجتمع الأمريكي القائم على العنف منذ بداية تأسيس أمريكا الحديثة أو التي عرفناها! حيث قام ذلك التأسيس على حرب الإبادة ضد الهنود الحمر، التي راح ضحيتها حوالي (112 مليونا من الهنود الحمر)، ربما يسجلها التاريخ كأكبر جريمة حرب إبادة!
وحين وصلت أمريكا إلى مرتبة الدولة العظمى والمستفردة بالعالم في التسعينيات، واصلت حروب إبادتها التي بدأتها في فيتنام، لتقتل في حروبها ما يصل إلى (عشرة ملايين) من الناس، وكان نصيب العراق وحدها (2 مليون عراقي)! وفي تلك الأثناء توالت أيضًا اغتيالات الرؤساء في سباق الرئاسة الأمريكية، لتؤكد أن «العنف السياسي» من الخلفيات الأصيلة في المجتمع الأمريكي، وأنه امتد من الداخل إلى الخارج في العالم، وهذا ما جعل من أمريكا أكبر عامل إرهاب دولي في هذا العالم!
{ يقول «شلينجرز» وهو مؤرخ أمريكي من أصل يهودي ألماني، إنه لا توجد هناك «أمة أمريكية» بالمعنى المعروف للأمم! ما يجمع بين أفراد المجتمع الأمريكي هو إجمال الدخل القومي ونصيب الفرد، وأمريكا في تكوينها عبارة عن «شركة كبرى» أو «مجمع صناعي عسكري» تتداخل في تكوينه آليات عمل الاستخبارات والإعلام وسطوة المال وأشبه ما يكون بعصابات المافيا!
والديمقراطية الأمريكية قائمة في النهاية بدورها على دور المال وتأثيره، وعلى قيم العنف المتسرب من الداخل إلى الخارج!
مما يجعل من خطاب الكراهية بين المتنافسين للوصول إلى الرئاسة الأمريكية، خاضعين بدورهم للولاء للممولين، خاصة من النخب الصهيونية! والمواطن الواقع تحت تأثير اللوبيات وسطوة الإعلام، يختار ما يُراد له وهو يعتقد أنه حرّ في اختياره وانتخابه! مما يجعل الديمقراطية الأمريكية مفرغة من محتواها!
{ ستبقى قضية محاولة اغتيال ترامب ربما داخلة بدورها في غموض اللاكشف عن حقيقة ما حدث! تمامًا مثلما بقيت قضية اغتيال «كينيدي» بعد (60 عامًا) محاطة بالغموض حتى الآن! ولكن مع هذا الغموض قد يستمر خطاب الكراهية ودوامة العنف السياسي، رغم أن الطرفين «بايدن وترامب» يدعوان اليوم إلى «وحدة الصف»!
وفيما العالم ينتظر التغيير في أمريكا وسياستها الخارجية، فإن ذلك غير مرشح للتحقق سواء بعودة «ترامب» إلى الرئاسة أو وصول غيره، لأن «الدولة العميقة» الحاكمة هي التي تحدد المتغيرات الاستراتيجية، سواء داخل أمريكا أو في سياستها الخارجية! مما يجعل المأزق الذي تعيشه الديمقراطية الأمريكية هو المرشح للمزيد من المآزق، خاصة مع مخاوف نشوب حرب أهلية وتصاعد فكرة الصدام رغم التهدئة المؤقتة في خطاب المتنافسين «ترامب وبايدن»!