رأي في الحدث

أحمد الدواس: قصة في الكرامة وعزة النفس

حين كان نيلسون مانديلا يدرس الحقوق في الجامعة، كان أحد أساتذته واسمه بيتر، وكان أبيض البشرة، يكرهه بشدة!

وفي أحد الأيام كان الأستاذ بيتر يتناول طعام الغداء في مقصف الجامعة فاقترب منه نيلسون مانديلا حاملاً طعامه، وجلس قربه.

– قال له الأستاذ بيتر: “يبدو أنك لا تفهم يا سيد مانديلا أن الخنزير والطير لا يجلسان معاً ليأكلا الطعام”!

نظر إليه مانديلا وأجابه بكل هدوء: “لا تقلق أيها الأستاذ فسأطير بعيداً عنك”! ثم ذهب وجلس الى طاولة أخرى.

– لم يتحمل الأستاذ جواب مانديلا فقرر الانتقام منه، وفي اليوم التالي طرح الأستاذ بيتر في الصف سؤالاً على مانديلا: “سيد مانديلا إذا كنت تمشي في الطريق ووجدت صندوقاً وفي داخل هذا الصندوق كيسان، الأول فيه المال والثاني فيه الحكمة…فأي الكيسين تختار”؟

– من دون تردد أجابه مانديلا: “طبعاً سآخذ كيس المال”

ابتسم الأستاذ وقال ساخراً منه: “لو كنت مكانك لأخذت كيس الحكمة”.

بكل برود أجابه مانديلا: “كل إنسان يأخذ ما ينقصه”!

في هذه الأثناء استشاط الأستاذ بيتر غضباً وحقداً الى درجة أنه كتب على ورقة الامتحان الخاصة بمانديلا “غبي” وأعطاها له

أخذ مانديلا ورقة الامتحان، وحاول أن يبقى هادئاً جالساً إلى طاولته، وبعد بضع دقائق وقف مانديلا واتجه نحو الأستاذ وقال له بنبرةٍ مهذبة: “أستاذ بيتر لقد أمضيت على الورقة باسمك، لكنك لم تضع لي علامة”!

العبرة: إيّاك أن تسمح لأحد أن يجرح كرامتك، لأن نفسك هي أغلى وأثمن من كل شيء.

ما قلته منشور على صفحات الانترنت بعناوين عدة، وأود أن أضيف بعض السطور، فقد عمل ديبلوماسي كويتي مع سفير لم تصدر منه كلمة تجرح مشاعره، وتُهبط معنوياته، فبذل هذا الديبلوماسي أقصى جهده بهمةٍ ونشاط، وأبدع في عمله فحصل على ترقيات وظيفية، ثم عمل مع سفيرغليظ الطبع يجرح مشاعر وكرامة الموظف، وسلوكه مشابه لسلوك هتلر في إطلاق الألفاظ وتقطيب الحاجبين، وقح التعامل، لا ينصح زملاءه، حتى اشتكى منه كثيرون في السنوات اللاحقة، ومرت فترة طويلة على هذا الموظف الطيب، وهو على هذه الحال مع هذا الأخير.

لكنه لم يستطع أن يتحمل المزيد من القسوة والإهانات، فطلب من حكومته نقله من مكان عمله، فلما نقلته مع خصم نصف المعاش شعر براحة كبيرة للغاية، واستطاع ان يتنفس الهواء، وان يفتح القفص، ويستنشق هواء الحرية، حراً يملك نفسه، ثم تغير وضعه الاجتماعي والثقافي الى أفضل مما كان عليه، لكنه، وبعد مرور 34 عاماً، مازال يتساءل: كيف سمح لهذا الشخص ان يجرح كرامته؟

على أي حال، لا شك ان الظروف الصعبة تصنع الرجال، وشيب شعرنا جعلنا فطاحل، لدرجة أنني أتمنى لوعقلي حاليا كان لديّ يوم عمري 24 عاما أو 35 عاما، لكنت عالجت أمور الحياة، آنذاك، بشكل أفضل، لكنها الحياة فلا بد من تجاوز السنوات، يعني حتى نصير أوادم، ولنا مشاعر راقية، لازم نكبر بالسن، والرجل كلما صقلته التجارب عبر السنين أزال الصدأ عن نفسه، وأصبح بريقه لامعا.الذكرى المؤلمة تبعث على الهم والحزن، فإياك أن تسمح لأحد ان يجرح كرامتك.

*السياسه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى