أحمد الجارالله : متى تنتهي حكاية… الكويت غير؟
منذ عقود، تحكّمت دولٌ عميقة في مؤسسات الكويت كافة، وجعلت من السلطة التشريعية منفذاً لها كي تمسك بزمام القرار، لهذا حين أعلن صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الإجراءات الدستورية قبل أشهر، كان التأييد لها منقطع النظير، لأنها عملت على علاج سبب الوجع الشعبي الكبير، وكذلك حدّت من تدخل تلك الجماعات والدول العميقة في المؤسسات.
لكن علينا الاعتراف بأن الإصلاح لن يتم بين ليلة وضحاها، فمعالجة هذا الأمر لا بد أن تمر بالمراحل الدستورية والقانونية كي لا تتحول أزمة فيما بعد، في المقابل، هذا لا يمنع من تعديل القوانين المضرة بالبلاد، للحدّ من نفوذ أصحاب المصالح، خصوصاً الذين يعيشون على أوجاع الناس، وتحديداً المتحكمين في السوق العقارية، الذين جعلوا فوضى البناء منفذاً لهم.
لذا أصبحنا نرى اليوم تلك الكتل الأسمنتية البشعة تعمُّ المناطق، فيما كان الأصل في الرعاية السكنية هو تأمين الاستقرار للمواطن وعائلته، على ألا يكون ذلك على حساب البيئة والمجتمع والمنظر الجمالي للمنطقة، ولهذا كانت البيوت الحكومية قديماً مبنية على هذا الأساس، وليس الغيرة والحسد.
لهذا، عندما كان أحد ما يعارض الفوضى يقابَل بجملة من أصوات المتمصلحين المدافعين عن مكاسبهم “إن تلك المعارضة لا تخدم الشعب”، فيما هم ذاتهم يصورون أي فائدة لهم على أنها مطلبٌ شعبي، ويعملون على سنّ قانون بذلك.
هذا الأمر مغاير للحقيقة، لأنه ساعد على استفحال الأزمة السكنية، التي حلتها الدول المجاورة بطريقة سهلة، فقد استعانت بشركات بناء عالمية، مشهود لها بسرعة الإنجاز، ووفق مواصفات عالمية، وشيّدت مدناً إسكانية متكاملة، ومكتفية ذاتياً، من خدمات وأماكن ترفيه، وغيرها.
فالإمارات، مثلاً، منذ نحو أربعين عاماً اتبعت هذا النموذج، وكانت مدينة الرويس السكنية أول المشاريع في هذا الشأن، فيما المدن الأخرى طرحتها بأسعار متهاودة، والأقساط كانت على 25 و30 عاماً.
أما المملكة العربية السعودية، فقد شيدت الكثير من المدن السكنية النموذجية، والمراعية للبيئة الاجتماعية، والجغرافية، وحتى للمناخ الشديد الحرارة، وكان التمويل من الشركات ذاتها، التي قسّطت القروض على 35 و40 عاماً، فيما الدولة تكفلت بالأرض والفوائد.
الكويت يمكنها أن تتعلم من جيرانها الذين أخذوا منها فكرة الرعاية السكنية، وطوروها بما يناسب مواطنيهم، إلا عندنا لم يتغير شيء، بل برزت أزمة الإسكان، بسبب التدخلات من ذوي المصالح، الذين كلما طرح عليهم هذا الأمر، سرعان ما استعانوا بحجة ساذجة واهية، وهي “الكويت غير”.
هنا نسأل: بماذا “الكويت غير”، هل بالغابات الأسمنتية القبيحة، أو بالتوسع في المخالفات، أو في البناء العشوائي، أو بالجمود الاقتصادي، أو سوء التعليم؟
أو هل بالتعدي على أملاك الدولة، لأن جاري بنى ديوانية كبيرة، أو تشييد عمارة بحجة سكن الأبناء، الذين حين يتزوجون يصبح لديهم الحق في الرعاية السكنية، فيما تستثمر المنازل في الإيجارات؟
يمكن حل هذه الأزمة بالاستعانة بتلك الشركات، التي تشيد المدينة في غضون سنتين أو ثلاث، وتوفر على الدولة والأجيال القادمة الكثير من الأعباء التي كانت تمتص الثروة الوطنية لإرضاء هذا النائب أو ذاك المتنفذ، أصحاب المصالح الموقتة، فيما الوطن وأهله يدفعون الثمن.
اليوم مع الإجراءات التي اتخذها صاحب السمو، باتت الفرصة سانحة لتفكيك الدولة العميقة التي تحكمت في مصير البلاد لعقود عدة، كما يجب أن تكون لدى مجلس الوزراء خطة واضحة أمام الشعب كي يعرف دوره في التنمية، على أن تكون سرعة الإنجاز هي المحك، فهل يثبت الوزراء أنهم أهلٌ للثقة الأميرية التي وضعت فيهم، ويكونون أيضاً عند حسن ظن الشعب؟