المملكة أطلقت شرارة جديدة للمُنافسة من بوابة تحديث أنظمتها للعالمية.. السعودية تخطف أنظار العالم… اقتصادياً واستثمارياً
يشكّل الاستثمار أهمية جوهرية في خريطة الطريق التي رسمتها السعودية لتحقيق رؤية المملكة (2030)، حيث تهدف المملكة في الركيزة الثانية من ركائز رؤيتها إلى أن تصبح قوة استثمارية عالمية، من خلال تحفيز الاقتصاد وتنويع الإيرادات الإجمالية، وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال، والارتقاء بترتيب وتصنيف المملكة في المؤشرات العالمية ذات العلاقة لخلق اقتصاد أكثر متانة وتنوعاً واستدامة.
وفي هذا الإطار، أعلنت السعودية أخيراً تحديث نظام الاستثمار، الذي يرتقب دخوله حيّز التنفيذ مطلع 2025، بهدف جذب الاستثمارات العالمية وتطوير تنافسية بيئتها الاستثمارية، والمساهمة في دعم التنوع الاقتصادي، وخلق الفرص الوظيفية تماشياً مع «رؤية 2030»، ومستهدفات الإستراتيجية الوطنية.
ويعد نظام الاستثمار المحدّث الذي وافق مجلس الوزراء عليه، من ركائز الإستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي أطلقها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان، والتي تسهم في دفع عجلة التنمية وتنويع الاقتصاد المحلي، حيث تستهدف جذب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنوياً بحلول 2030.
أهداف النظام
وتهدف وزارة الاستثمار السعودية من تحديث نظام الاستثمار، إلى تحسين البيئة الاستثمارية في المملكة وتعزيز تنافسيتها وتحديث نظام الاستثمار الأجنبي الحالي لتحقيق مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للاستثمار الهادفة لتحقيق تطلعات رؤية المملكة (2030)، ومواكبة المستجدات والمتغيرات في الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية الدولية المبرمة مع المملكة والأنظمة ذات العلاقة وأفضل الممارسات الدولية، وذلك عن طريق ضمان المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب، وزيادة ثقة المستثمرين بالاستثمار في المملكة، وكذلك ضمان الحماية الكاملة لجميع الاستثمارات وفقاً لما تقضي به الأنظمة في المملكة والاتفاقيات الدولية التي تكون طرفاً فيها، ووضع إطار تنظيمي يوازن بين حقوق المستثمرين والتزاماتهم وفقاً لأفضل الممارسات الدولية، وتقديم المحفزات الاستثمارية وتعزيز الشفافية الكاملة حيالها، وذلك من خلال منحها وفقاً لمعايير استحقاق موضوعية محددة وعادلة.
علاوة على تعزيز استخدام الوسائل البديلة لحل المنازعات بما في ذلك اللجوء إلى التحكيم، وذلك بهدف تقليل التكلفة وأمد النزاع.
من ناحية أخرى، تتوقع المملكة آثاراً إيجابية لنظام الاستثمار المحدث، إذ ترى أن مشروع النظام يتبنى مبادئ وسياسات استثمار متوافقة مع أفضل الممارسات الدولية. وسيعزز من تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتقليص الفجوة المالية. والذي سينعكس إيجاباً على الميزانية العامة للدولة والاقتصاد الوطني من خلال توليد الفرص الوظيفية.
كما تركز رؤية المملكة 2030 على تنويع الاقتصاد خارج قطاع النفط، لذا يعد نظام الاستثمار ممكناً أساسياً للبرامج والمبادرات والمشاريع الوطنية التي يعتمد تنفيذها على استثمار محلي وأجنبي مباشر لتحقيق الخطط والإستراتيجات القطاعية، كما يسهم نظام الاستثمار في جذب المستثمرين للمشاركة وتمويل وتنمية المشاريع الوطنية الكبرى.
ويستهدف مشروع النظام خلق بيئة تنافسية للمستثمرين من مختلف القطاعات والأحكام ويسعى لتقديم الخدمات بجودة أفضل للمستفيدين وبأسعار تنافسية. وهذا بدوره سيسهم في تحفيز وتشجيع البحث والابتكار بما يخلق فرصاً جديدة للاستثمار في مجالات مختلفة. ويسهم في توطين الخبرات ونقل التقنية وتحسين مستوى التأهيل والتدريب لرأس المال البشري.
طريق سليم
أشار وزير التجارة والصناعة الأسبق فهد الشريعان، إلى أن «السعودية ركبت السكة» ولديها مستشارون وخبراء وضعوها في الطريق السليم للتطور الاقتصادي، موضحاً أننا عندما نتكلم عن الكويت، نحتاج إلى مثل هذه التشريعات المتطورة مع إعادة النظر في القوانين الحالية، لتحفيز وتنشيط الاقتصاد وإتاحة الفرصة للمستثمرين الأجانب.
وأشار إلى أن الكويت تستطيع أن تأخذ من التجربة السعودية كنموذج أو مثال، حيث بدأت منذ سنوات قليلة في تنويع مصادر الدخل عبر إطلاق يد القطاع الخاص سواء المحلي والأجنبي ليقود النمو في كل القطاعات بالمملكة، مؤكداً أنه لا توجد مشكلة في الاقتداء بالسعودية أو أي دولة أخرى متقدمة بالنمو الاقتصادي، ولكن المهم أن نبدأ في التطوير ونستمر به.
وأوضح الشريعان أن البعض يتخوف من المستثمر الأجنبي وهو ما حدث – بالفعل – في «دبي» آواخر السبيعنات وبداية الثمانينيات عندما بدأت رؤوس الأموال الكويتية في الاستثمار هناك، الأمر الذي أزعج المستثمرين المحليين لكن وقتها قال القياديون في الدولة إن «المستثمرين الكويتيين أو الأجانب لن يأخذوا الأراضي معهم»، مؤكداً أن الكل يستفيد من المستثمر الأجنبي، كما أن المنافسة ستزيد مع المستثمر المحلي وسترفع مستوى العمل المقدم، وهو أمر إيجابي للاقتصاد المحلي.
وأشار إلى أن المنطقة اليوم أمام نقلة نوعية جديدة ويجب علينا أن نلحق بركب التطور بإدخال الأفكار والنظم والجديدة التي من شأنها تحقيق التطور والنمو المأمول، مشدداً أن الكويت تحتاج إلى تشريعات متطورة أكثر مع التخلص من الروتين والبيروقراطية التي تكبل الاقتصاد.
ولفت الشريعان إلى المرونة التي تتميز بها البورصة الكويتية في استقطاب العديد من المستثمرين الأجانب، وذلك بسبب سهولة الدخول والخروج والإعفاءات التي تمنح للمستثمرين، مشيراً إلى أن الكويت لديها أيضاً المبادرات والأدوات لتحقيق تجربة كويتية رائدة سبق أن حققتها في السابق، مشيراً إلى أن الكويت كانت سباقة بالفعل في الاستثمارات خاصة مع امتلاكها أقدم صندوق سيادي في العالم.
نمو اقتصادي
من ناحيته قال وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق عبدالله العفاسي إن رؤوس الأموال الكويتية سباقة في الاستثمار في السعودية، موضحاً أن المستثمرين الكويتيين مشاركون ومساهمون في النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده المملكة الفترة الماضية.
وأكد العفاسي أن النظام أو «القانون» الجديد للاستثمار الذي أطلقته السعودية أخيراً سيكون عاملاً إيجابياً لجذب مزيد من الاستثمارات الكويتية إليها، مضيفاً أن السعودية باتت «مغناطيساً» لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وحاضنة للمستثمرين الأجانب، ومثال يحتذى به في النمو الاقتصادي.
وأشار إلى اجتذاب المملكة أكبر الصناديق السيادية في العالم مثل الصندوق النرويجي، وهو أمر صعب تحقيقه إلا في دول تطبق قوانين وتشريعات متفوقة بالمقارنة بمثيلتها في بقية الدول، لافتاً إلى أن التشريعات في الكويت جيدة وقادرة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية ولا مانع أن يتم تطويرها باستمرار حتى تكون على ذات المستوى للدول الواعدة.
وأكد العفاسي أن الكويت بقدراتها المالية والبشرية ليست بعيدة عن النمو الاقتصادي والتطور الذي تحقق بعض دول المنطقة، ولكن الاختلاف يكون في سرعة التنفيذ، وقال «نحن نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق التنمية ونحتاج إلى إعادة ضبط مؤشر السرعة في طرح وتنفيذ المشاريع التنموية مع مراعاة فرق التوقيت مع حركة الأسواق التي سبقتنا».
زيادة الاستثمارات
بدوره، قال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة أرزان المالية جاسم زينل إن السعودية سعت جاهدة في السنوات الأخيرة إلى تحسين بيئة أعمالها وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في جميع القطاعات، وأصبحت تنافس أفضل دول العالم، وما صدر عنها أخيراً من تطوير أنظمة الاستثمار هو استكمال لرؤيتها المسقبلية والمعلنة.
ولفت زينل إلى أن السعودية أدركت أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية وأثره في تحقيق التنمية المستدامة إضافة إلى أهداف أخرى، منها التنمية الاقتصادية وتوفير الوظائف وتطوير الكفاءات الوطنية وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وأوضح أن حاجة الكويت لمثل هذه التحسينات والحوافز أكبر؛ لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأنها دولة تعتمد على مورد واحد هو النفط، وقد أقرّت الحكومات المتعاقبة على هذا المطلب وأهميته بالنسبة للدولة واقتصادها وتم تعديل وإصدار بعض القوانين الخاصة بهذا الشأن وإنشاء جهاز تشجيع الاستثمار الأجنبي، ولكن كل هذا ليس بمستوى الخدمات والقوانين التي يتمتّع بها المستثمر الأجنبي في دول المنطقة ولا يرقى إلى مستوى المنافسة التي تجذب المستثمرين الأجانب والاستثمارات.
نجاح التجربة
أما رجل الأعمال قيس الغانم فقال إن السعودية استطاعت تحقيق تجربة جيدة خلال السنوات الماضية ومنحت الثقة إلى المستثمرين المحليين والأجانب، مبيناً أن نظام الاستثمار الجديد الذي طرحته أخيراً يعد استكمالاً للتجربة الناجحة في جذب المستثمرين لتدعيم الاقتصاد عبر اجتذاب رؤوس أموال أجنبية وتكنولوجيا جديدة وخبرات سيستفيد الاقتصاد السعودي منها.
وأكد الغانم أن المنتجات السعودية غزت أسواق العالم المختلفة، لتصبح منافساً قوياً للمنتجات المماثلة، وهو أمر جاء بالتخطيط المستمر والعمل وفق إستراتيجية على المدى البعيد.
وأضاف أنه يصعب تطبيق التجربة السعودية محلياً، لأن الكويت لديها خصوصية تختلف بها عن السعودية، لا سيما أنها أقل في المساحة وهناك ندرة في الأراضي الخاصة بالاستثمار، وقال «في الكويت نستطيع تطبيق أجزاء من التجربة السعودية ولكن ليس كامل التجربة».
وأشار إلى أن الكويت بدأت بالفعل في خطوات ثابتة لتعديل الأوضاع وتطبيق سياسة واعدة لمعالجة الاختلالات والمشكلات التي كانت تعاني منها في السابق، مثل القضاء على الفساد وتنظيم وإعادة هيكلة وزارات الدولة، وهي أمور ستسهم بشكل كبير في تحقيق تحسن إيجابي في جميع المجالات في البلد.
الآثار الإيجابية لنظام الاستثمار
1 – تبنّي مبادئ وسياسات اسـتثمار متوافقة مع أفضل الممارسات الدوليـة سيعزز مـن تدفـق الاسـتثمارات الأجنبية إلـى المملكة، ويزيد الإيـرادات غيـر النفطيـة، ويقلص الفجوة الماليـة وينعكس إيجابياً علــى الميزانيـة العامة للدولة والاقتصاد الوطني من خلال توليد الفرص الوظيفية.
2 – تركـز رؤيـة المملكـة 2030 علـى تنويـع الاقتصـاد خـارج قطـاع النفـط؛ لذا ُيعدّ نظام الاسـتثمار ممكّناً أساسـياً للبرامج والمبادرات والمـشاريع الوطنية التي يعتمد تنفيذها على استثمار محلي وأجنبي مباشر، لتحقيق الخطط والإستراتيجيات القطاعية. ويسهم في جذب المستثمرين للمشاركة وتمويـل وتنمية المشاريع الوطنية الكبـرى.
3 – يستهدف خلق بيئة تنافسية للمستثمرين مــن مختلـف القطاعات والأحجـام ويسعى لتقديـم الخدمات بجـودة أفضل للمسـتفيدين وبأسعار تنافسـية. وسيسهم ذلك أيضاً فــي تحفيــز وتشجيع البحث والابتـكار بمـا يخلـق فرصـاً جديـدة للاستثمار فــي مجالات مختلفة، ويسهم في توطيـن الخبـرات ونقـل التقنيـة وتحسـين مسـتوى التأهيـل والتدريـب لرأس المال البشـري.
4 – يمكّـن مشـروع النظـام مـن رفـع مسـتوى التـزام المسـتثمرين بتطبيـق معاييـر السلامة والصحـة والبيئـة المسـتهدفة، خصوصاً مراعـاة معاييـر التقاريـر الدوليـة المرتبطـة بــ «ESG». ويعد النظـام أداة لجـذب المسـتثمرين وتحفيزهـم نحـو الاسـتثمارات الخضـراء، لخلـق اقتصاد أكثـر اسـتدامة.
*الراي الكويتيه