حقيقة بألف وجه .. أزمة المصداقية للجزيرة تتجلى في أيام الأسد الأخيرة: “نحب” حزب الله أم “نكرهه”
تثير تغطية الجزيرة لأخبار حزب الله التي لم تتخذ خطا أو نهجا واحدا تساؤلات بشأن مصداقيتها، إذ تباين التعاطي الإعلامي معه بحسب المكان والزمان والجهة والأشخاص المرتبطين به وأبرزهم الرئيس السوري بشار الأسد الذي هاجمته بشدة طوال السنوات الماضية في حين احتفت بأبرز حلفائه في نفس الوقت ثم انقلبت عليه في مناسبة أخرى.
*تظهر طريقة تعاطي قناة الجزيرة القطرية مع الأخبار المرتبطة بحزب الله ارتباكا وحيرة بحسب الظرف الطارئ، والتطورات السياسية والعسكرية في المنطقة انطلاقا من إسناد غزة إلى الأزمة السياسية في لبنان ثم تدخله في سوريا وصولا إلى تجاهله تماما سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، ما جعلها تفقد مصداقيتها.
وتظهر المتابعة الإخبارية لما تبثه الجزيرة اختلاف السياسة التحريرية المرتبطة بحزب الله بحسب الزمان والمكان إلى جانب تضاربها في الدعاية أو الهجوم على الحلفاء، وانقلبت القناة القطرية لصالح حزب الله طالما “يحارب” إسرائيل ونسيت تاريخه ثم عادت معالم الارتباك بعد وقف إطلاق النار بينه وبين إسرائيل، ثم حيرة في التعامل معه عندما استعد لضرب الثوار السوريين بينما تجاهلت ذكره في تغطيتها المكثفة لسقوط الأسد وكل ما يرتبط بهذا الموضوع، وهو ما يدفع إلى التساؤل أين التغطية الموضوعية والمحايدة والرأي والرأي الآخر الذي ترفع شعاره الجزيرة.
وفي الوقت الذي هاجمت فيه الرئيس السابق بشار الأسد بشراسة واعتبرته فاقدا للشرعية وكانت إحدى الأدوات الإعلامية البارزة المناوئة له وحشدت لدعم المعارضة الإسلامية المتشددة ضده، كانت تهلل وتحتفي بالحزب في الضربات التي شنها ضد إسرائيل ضمن ما أطلق عليه جبهة “إسناد غزة” فكانت من بين عناوينها “حزب الله.. حركة مقاومة خرجت من رحم الحرب الأهلية اللبنانية” في إشارة علنية إلى أنها تصنف الحزب باعتباره منظمة وطنية تنتمي إلى المقاومة في لبنان، فيما خصصت عدة تقارير للحديث عن سياسة حزب الله ورسائله العسكرية لإسرائيل والاحتفاء بقادته، الذين هم في نفس الوقت يعتبرون أبرز الحلفاء على الإطلاق للأسد.
وروجت في سيل من التقارير لبطولات الحزب وأمينه العام نعيم قاسم بما فيها الاستعراضية الأقرب للدعاية منها إلى الحقائق الفعلية على الأرض مثل ترداد مقولة قاسم في تقرير بعنوان “قادرون على مواجهة إسرائيل العاجزة عن احتلال قرية رغم العدوان”.
لكن هذه اللغة الاحتفالية اختلفت في سوريا مع سرد التقارير عن التكلفة الباهظة لهذا التدخل على الحزب والشعب السوري حيث هاجمت القناة الحزب في أحد تقاريرها بعنوان “صناعة الموت.. هكذا حوّل حزب الله سوريا إلى سوق للمخدرات!”. وقالت فيه “بدأت تتكشف مؤخرا الأسباب الحقيقية التي دفعت حزب الله اللبناني إلى القتال إلى جانب نظام الأسد، بعيدا عن الشعارات الدينية التي تغنى فيها الحزب منذ إعلان أمينه العام حسن نصرالله القتال إلى جانب بشار الأسد بهدف حماية المراقد والمزارات الشيعية في سوريا”، وأضاف التقرير أن “حزب الله نجح إلى جانب نظام الأسد في تحويل سوريا إلى سوق كبيرة جدا لتجارة الممنوعات والمواد المخدرة، بعد أن كانت ظاهرة تعاطي المخدرات من الظواهر النادرة في سوريا أصبحت اليوم من روتين الحياة اليومية”.
وفي مناسبات أخرى أفردت تقارير للحديث عن تجارة الكبتاغون والمخدرات في لبنان وتحدثت بشكل واسع عن علاقة النظام السوري بها دون التطرق إلى تورط حزب الله بها رغم أن أحد التقارير على سبيل المثال تحدث عن تورط “ملك مخدر الكبتاغون” اللبناني المقرب من حزب الله ومحاكمته، في حين لم تتطرق إلى علاقته به إلا بشكل عابر، وفي نفس الوقت استفاضت بذكر علاقة سوريا بهذه التجارة وقالت “شهدت صناعة الكبتاغون والاتجار بها خلال السنوات الماضية ازدهارا في لبنان، ما دفع السلطات إلى تكثيف جهودها لإحباط عمليات التهريب، خصوصا بعد انتقادات من السعودية ودول خليجية أخرى، ويأتي الحكم اليوم كأول إدانة لتاجر كبتاغون بارز على هذا المستوى”، مضيفة “تُعد سوريا المصدر الأبرز لتلك المادة، حيث باتت عصابات المخدرات المقربة من النظام مصدرا أساسيا لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا ودول الخليج، وصولا إلى دول أفريقية وأوروبية”. كما أن الحماس لحزب الله و”بطولاته” خفت في الجزيرة بعد إبرامه اتفاقا مع إسرائيل لوقف إطلاق النار فيما بدا أنه انتكاسة للقناة القطرية نفسها.
ولطالما عرفت القناة بتناقضاتها في التعامل مع القضايا والمصطلحات، حيث تعتبر ازدواجية الخطاب من أهم سماتها في نسختيها العربية والإنجليزية، وهو ما يظهر من خلال الاختلاف الجوهري بين خطاب القناة باللغة العربية وتوجه القناة باللغة الإنجليزية وما ينشر في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لكل منهما، حيث يعتمد الخطاب الموجه إلى العرب على التعاطف مع التطرف وقوى الإسلام السياسي وميليشياتها المسلحة وانتقاد كل ما يتناقض مع مشروع الإخوان من ثقافة الحداثة والانفتاح والتقدمية والليبرالية والوحدة الوطنية، وما تعود مذيعوها على تسميته بـ”القومجية”، في إشارة إلى أي مشروع قومي حضاري، عكس الخطاب الموجه إلى الغرب باللغة الإنجليزية والذي يدافع عن الديمقراطية والحريات والانفتاح والتسامح وينتقد التطرف والإرهاب.
ويلاحظ المتابعون وجود مفارقات لافتة في الخط التحريري للقناتين العربية والإنجليزية الممولتين بالكامل من الحكومة القطرية، فالجزيرة الإنجليزية تستخدم كلمة “قتيل” في ما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي، بينما تسوق القناة الناطقة باللغة العربية الشحنة العاطفية والأيديولوجية إلى الجمهور العربي عبر استخدام كلمة “شهيد”.
والمثال الآخر الذي يدركه المتابع للجزيرة الإنجليزية هو استخدامها مصطلح “الجدار الأمني” الذي بنته إسرائيل للسيطرة على المزيد من أراضي الفلسطينيين، بدلا من مصطلح “جدار الفصل العنصري” المستخدم في القناة الناطقة بالعربية. أما مصطلح “قوات الاحتلال الإسرائيلي” المستخدم في العربية، فغالبا ما لا يستخدم في القناة الإنجليزية ويكون البديل “القوات الإسرائيلية”. ومن المفارقات الأخرى بين القناتين أن الإنجليزية عينت الناطق باسم القوات الأميركية في قاعدة العديد جوش رشنج مراسلا لها.
ويقول متابعون إن القناة القطرية تتهم القوى المتشددة في المنطقة العربية بالتطرف في خطابها الإنجليزي الموجه إلى الدول الغربية بينما الخطاب باللغة العربية يتماهى مع توجهات الإخوان والجماعات المتشددة ومن تحاول استقطابهم لمشروعها. وكشف المحاضر والباحث الفلسطيني محمد أحمد أبوالرب في كتابه “الجزيرة وقطر.. خطابات السياسة وسياسات الخطاب” أن إتاحة منبر لمن لا منبر له ليس سوى تصدير لتصور ساذج حول واقعة معينة، يراد من خلالها إثارة جمهور المرئي وإشغاله بوعي من قبل الوسيلة الإعلامية.
ويقول الكتاب إن “ما يميز عمل كل من القناتين، أن النموذج العربي يعتمد على تصوير الأحداث بقالب عاطفي ومؤدلج بما يتناسب مع رغبات الجمهور العربي، ويعترف المحرر في الجزيرة إبراهيم هلال بأن العاطفة جزء من القصة، وأن روح الكذب الإخباري في العاطفة. أما بالنسبة إلى القناة الناطقة بالإنجليزية فإنها تطبق النموذج الأميركي في الإعلام، حيث إن خسارة الهدوء تعني خسارة الموضوعية، وخسارة الموضوعية تعني أن النقاش وما يصدر على أنه حقائق (أصبحا) توقعات.”
*العرب