رأي في الحدث

علي قاسم : أحمد الشرع رئيسًا لسوريا.. لمَ لا!

*العالم قد فهم بما فيه الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي لماذا غادر 12 مليون سوري ليس بينهم سوري فاشل واحد سوريا ولماذا عبروا البحر بقوارب متهالكة مضحين بأرواحهم.

المشاهد التي تابعها العالم على مدار 48 ساعة الأخيرة، لا يمكن وصفها إلّا بكلمة واحدة: “مذهلة”. بعد هذه المشاهد، سيذكر التاريخ الثورة السورية كواحدة من بين أكثر الثورات سلمية، رغم أن المشاهد المنقولة كشفت عن حجم المعاناة التي عاشها السوريون تحت حكم النظام السابق الذي حفل بالتجاوزات.

اللقطات التي تم عرضها ليراها العالم أجمع عن أنفاق سجن صيدنايا وجدرانه الإسمنتية المسلحة، حرص من أمر ببنائها على ألاّ ينفذ الضوء من خلالها، ليرمى خلفها نسوة وأطفال وشباب، في مشهد لا يمكن تخيله أو تصوره حتى في أفلام الرعب.

واحتاج الدفاع المدني السوري إلى الاستعانة بجهود خمسة فرق طوارئ للبحث عن أقبية سرية داخل السجن يُتوقع العثور فيها على المزيد من المعتقلين. بينما راح السجناء المحررون يركضون في شوارع دمشق في حالة من الذهول والبهجة، رافعين أصابعهم في إشارة إلى عدد السنوات التي قضوها في السجن.

إلى جانب مشاهد المعتقلين المحررين، سيتذكر العالم دموع السوريين الذين حرموا من دخول بلدهم على مدى 14 عامًا.

ما كان للكلمة المقتضبة التي ألقاها الرئيس الأميركي جو بايدن حول ما يجري في سوريا، أن تُكتب إلّا بعد متابعة مشاهد صدمت الجميع.

وفي كلام لا يمكن أن يُفهم منه إلّا تراجع عن بعض الأحكام التي صدرت في الماضي عن فصائل مقاتلة اتهمت من قبل الإدارة الأميركية بالإرهاب، قال بايدن “بعض من الفصائل السورية المسلحة التي أسقطت الأسد لديها سجل قاتم من الإرهاب ومن الانتهاكات لحقوق الإنسان.”

ولفت الرئيس الأميركي إلى أن الولايات المتحدة “أخذت علمًا” ببيانات أخيرة لفصائل تشير إلى أنها باتت معتدلة، لكنه نبّه إلى أن بلده “سيجري تقييمًا ليس فقط لأقوالها بل لأفعالها.”

لقد فهم العالم، بما فيه الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، لماذا غادر 12 مليون سوري، ليس بينهم سوري فاشل واحد، سوريا، ولماذا عبروا البحر بقوارب متهالكة مغامرين بحياتهم. سيعيد العالم قراءة المأساة السورية في ضوء التقارير التي خرجت من سوريا خلال الأيام والساعات القليلة الماضية.

الشيء الذي لم يقله بايدن مباشرة لأحمد الشرع، قاله مواربة، الإدارة الأميركية ستعيد النظر في الحكم الصادر، لقد رأينا ورأى العالم ليس ما يكفي فقط لإصدار حكم البراءة بل توجيه الشكر إليك. لقد فهمنا الآن أنك ومن معك قاتلتم من أجل قضية إنسانية حقيقية. نعتذر إن كنا يومًا أسأنا دوافعك. ولكن، لنا عذرنا في ذلك، لم نكن ندرك حجم المعاناة التي عاشها السوريون على مدى أكثر من نصف قرن. رغم ذلك، ما زلتم قادرين على المسامحة والنسيان.

في كلمته المقتضبة، أعطى بايدن وعدًا أن تعمل الإدارة الأميركية “مع كل المجموعات السورية، بهدف إرساء مرحلة انتقالية بعيدًا عن نظام الأسد ونحو (سوريا) مستقلة وسيدة مع دستور جديد.”

بايدن ومعه الإدارة الأميركية لن ينتظروا طويلًا، لإجراء التقييم وإصدار الحكم، ما قاله أحمد الشرع وما فعله يكفي لإصدار الحكم.

الشاب ذو المظهر الأنيق، تصرف بشكل حضاري، لم يبادر إلى إخراج الوزراء من مكاتبهم، على العكس طالبهم بالعودة إليها، ومتابعة العمل. الحياة يجب ألاّ تتوقف. مؤكدا، بلدكم تحتاج إلى جهودكم، ليس لدينا وقت للانتقام، هناك الكثير لنقوم بعمله.

نعم، هناك الملايين من السوريين يجب أن يعودوا إلى بيوتهم، يجب أن يتلقوا الخدمات الصحية والتعليمية، لا وقت للكراهية. يجب أن نعيد بناء سوريا وننهض بها من جديد.

سقط النظام وغادر الأسد متوجها إلى موسكو، بأقل عدد من الضحايا، وخلال عشرة أيام، هزت سوريا، وأذهلت العالم، لم تتوقف الخدمات عن السوريين، بل على العكس، لأول مرة لم تنقطع الكهرباء والماء عن مناطق كانت تشهد انقطاعات يومية.

الصورة التي لن ينساها العالم بعد اليوم، ولن تنساها الولايات المتحدة، هي صورة لشاب يتحدث ويتنقل بهدوء داعيًا في كل كلمة يقولها إلى التسامح ونبذ الانتقام والكراهية.

في كلمته بالجامع الأموي، قال الشرع إن نظام السوري السابق حوّل سوريا إلى مزرعة للأطماع الإيرانية، وإمبراطورية لإنتاج الكبتاغون، مؤكدًا أن الظلم طال الجميع دون استثناء، وأن المرحلة القادمة تتطلب وحدة وطنية ورؤية سياسية جديدة تشمل جميع مكونات المجتمع السوري.

في سوريا متسع للجميع، هذه هي رسالة أحمد الشرع.

اجتازت سوريا المرحلة الصعبة، وعلى السوريين الآن بمختلف فئاتهم وتنوّعاتهم العرقية وطوائفهم وقناعاتهم، وضع خارطة طريق تنتهي بحكومة منتخبة ودستور جديد يتفق عليه الجميع.

لا أعلم إن كان أحمد الشرع، أبومحمد الجولاني، سيتقدم ليرشح نفسه لمنصب الرئاسة في سوريا عندما يحين الوقت.

لكن، ما أعلمه هو أنني في حال ترشحه للمنصب سأكون حريصًا جدًا على أن يكون الشخص الذي أعطيه صوتي.

*العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى