أحمد الجارالله : انتهى شعار تصدير الثورة يا إيران
بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، خصوصاً سورية، وذلك الانهيار السريع لنظام “البعث”، وكذلك هزيمة درة تاج المحور الإيراني “حزب الله” في لبنان، من المفروض أن طهران فهمت الدرس، ولن تستطيع تحقيق شعارها “تصدير الثورة” الذي جعلته مادة في دستورها، وفقاً لمسار طائفي.
من هنا، لا بد أن يدرك النظام الفارسي أن خريطة القوى في المنطقة تغيرت، ولا يمكنه المواجهة ببقايا ميليشيات مهزومة.
اليوم، لم يعد هناك أي مجال للتحكم في القوى التي اعتمدت عليها طهران لعقود، لا في قطاع غزة التي حاولت طوال سنوات، وعبر بيادقها الموالية، أكانت “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”، تغيير العقائد الدينية والاجتماعية لأهله، وفقاً لذلك الشعار غير المنطقي.
كما لم يعد في مقدورها الراهن على حزبها في لبنان بعدما أصيب في مقتل، وبات مجرد جيفة لا حياة له، ولا هي قادرة أيضاً على التباهي بأنها تستطيع فرض رؤيتها على العراقيين، فيما غاب عن بال صانع القرار الإيراني، أنه في العام 1920 كانت الطائفة الشيعية هي من أخرجت الإنكليز من العراق، وساهمت بقوة في بناء هذا البلد حينها.
هذا يعني أن العراقيين، مهما كانت قوة الميليشيات الطائفية قوية، إلا أنهم سريعاً – وبعد التطورات التي جرت في الأسابيع الأخيرة في المنطقة – لن يسكتوا على التدخلات الفارسية في شأنهم الداخلي، ولن يستطيع “الحرس الثوري” قتل الملايين من العراقيين.طوال السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق، وتفكيك مؤسسات الدولة، والفوضى التي سادت، استفادت إيران من هذا الوضع كي تمد يدها للعبث في شأنه الداخلي، فعمدت إلى تأجيج الفتنة المذهبية، ومساعدة “داعش” و”القاعدة” على فتح جبهات فتنوية أشعلت صراعاً طائفياً،
لكن مع السنين فهم العراقيون أن اليد الأجنبية لا تحميهم، واليوم أيقنوا أن فائض القوة الإيرانية مجرد وهم.إذ كانت تتباهى طهران بأنها تنفق الأموال على العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين، لكن اتضح، وبالوقائع، أنها كانت تنهب مقدرات تلك الشعوب، ومنها تصنع نموراً من ورق كي ترهب بها الشعوب.
لقد مرّ على شعار “تصدير الثورة” نحو 44 عاماً، وكانت سورية أول من وقعت تحت هذا الإغراء، بداية في عهد الأب، فيما بعد فتحها الابن على مصراعيها للتدخل الإيراني، وصارت الشام “حارة كل من إيدو إلو”
فبدأت تغيير الواقع العقائدي التي يرفضها السوريون، ولهذا كانت ثورتهم عارمة على هذا الواقع المستجد.ما بدأ ينكشف من أهوال السجون السرية، والجثث المكدسة في بعض ثلاجات المستشفيات، دلّ على أن “تصدير الثورة” كان لإبادة جماعية ضد السوريين، إذ هل يعقل أن نحو 150 ألف معتقل بلا محاكمة يقبعون في سجون بعضها سرية في أرجاء سورية، إلى حد أن كل مدينة لها سجونها ومسالخ التعذيب،
فيما هناك نحو مليون قتيل، كما يشاع، كانوا ضحايا النظام منذ 54 عاماً إلى اليوم، وما يزيد على 12 مليون نسمة مهجّرين خارج البلاد؟
!لهذا لم نستغرب فرحة السوريين، أكانوا في الداخل، أو الخارج بالتخلص من كابوس جثم على صدورهم طوال خمسة عقود.ما يهمنا اليوم، أن يعود الرشد إلى العرب الذين التصقوا بهذا النظام المجرم، ويدركوا أنهم كانوا أداة لتنفيذ أكبر جريمة في التاريخ ضد شعوبهم.
لا شك أن الدور اليوم على اليمن لتخليصه من سرطان العمالة الحوثي، الذي عمل طوال السنوات الماضية على تجريد شعبها من مناعته الوطنية والعربية، وغيّر عقيدته الدينية، فيما تجاهل أن تلك البلاد كانت في قلب التاريخ، وصانعة الحكمة، أما اليوم فهي ترتع في الجهل والتخلف، وتعلق من “أوراق القات” التي تذهب بالعقول وترخي الأجساد.