أحمد الصراف : عبدالله النفيسي ومصير دول الخليج
يعتبر الأستاذ الجامعي والسياسي الكويتي السابق عبدالله النفيسي من النخبة التي حصلت تقريباً على كل ما أرادت من تعليم مميز في كليات وجامعات بريطانية مرموقة. كما عاش في بحبوحة بسبب انتمائه لأسرة ثرية تمارس التجارة في العقار والأسهم، إلا أن ميوله كانت باتجاه آخر، حيث جذبته السياسة بعيداً عن الطب، الذي ندم تالياً على عدم التخصص فيه، وأصبح سياسياً ثم نائباً يمثل تيار الإخوان المسلمين في مجلس الأمة، وتقلب في مواقفه من جهة لأخرى، من اليسار إلى اليمين، وعكس ذلك، معجباً بالثورة الإيرانية، ثم كارهاً لها، وهكذا فعل مع مختلف الأنظمة، الرسمية وغير الرسمية.
يفترض أن الأخ عبدالله قرأ الكثير، وقابل الكثير، وكتب الكثير، ومر بتجارب كثيرة ومحن عديدة، وفي النهاية تمنى، كما تمنينا معه، لو لم يتخصص أو ينشغل بالسياسة وعلومها، التي أخذته لمجالات مختلفة ولأحداث ربما لم يكن يريد رؤية نفسه فيها.
للأخ عبدالله عشرات المقابلات، وله مثالب وسقطات وهفوات، في غالبيتها إما نتيجة تشابك الأسلاك في ذاكرته، التي كانت يوماً قوية، إلا أن تقلبات الولاءات والمواقف أسهمت في إضعافها، كما تضمنت انتقادات عدة لحلفاء وطنه وأصدقائها، وإشادات بأعداء ومخربين لم نرَ منهم يوماً خيراً، لا علينا، ولا حتى على غيرنا! فكيف لمن بمثل ثقافته وقراءاته وتجاربه أن يقول عن صدام، مثلاً، المتواضع الثقافة، وغير متأهل فكرياً، ولا أهلية سياسية لديه، إلا أنه «يتقن الحكم»؟! كيف يصف سفاح قاتل لأهله وشعبه، بأنه شخص يتقن الحكم؟ هل تفجير رؤوس المعارضين بطلقات الرصاص، واستخدام المواد الكيماوية في قتل الأبرياء، والقتل الجماعي لشعبه من علامات «إتقان الحكم»؟ أين الإتقان هنا؟ هل يكمن في إخضاع شعب كامل للعيش في خوف تامٍّ، خوف الأم من ابنها والابنة من والدتها؟ كلامه برأيي، لا يفتقد للحصافة والمسؤولية الفكرية فحسب، بل ويدل على اضطراب في المفاهيم، وما كان يفترض أن يصدر من بمثل علمه وثقافته، فكيف يصف صدام بأنه شخص يتقن الحكم، والعالم بأجمعه رآه ذليلاً في تلك الحفرة البئيسة وهو يتوسل حراسه، ولينتهي الأمر بشنقه ومقتل أبنائه، وتشرد أسرته، بعد خسارة كل حروبه مع الأكراد والإيرانيين وحرب تحرير الكويت، وإيصال وطنه العراق لوضعه البئيس الحالي؟
في محاضرة ألقاها عام 2014، في منطقة خارجية، قال الأخ عبدالله، وهو الذي يفترض أنه أكاديمي، ووطني غيور، بأنه دُعي عام 1992، أي بعد التحرير، ولم يذكر الجهة الداعية، لحضور ندوة في أمريكا. وفي الندوة ورد أن الدول الخليجية «مجرد شظايا جغرافية»، وأن مصير بعضها إلى زوال، وأن ذلك سيحدث في عام 2025، أي بعد أيام قليلة!!
الموضوع ذو شجون، ومؤلم بالفعل، فإذا كانت هذه طريقة تفكير الفاهمين بيننا، فماذا تركنا لغيرهم، وما أكثرهم، وأكثر سعيهم لسماع مثل هذا الكلام، بحق أوطانهم.
*القبس