رأي في الحدث

أحمد الجارالله: إما هكذا أو على اللبنانيين أن يقلعوا شوكهم بأيديهم

لأن الظرف حسّاس، لا بد من التحدث بوضوح، والكلام موجه إلى القيادة السياسية اللبنانية الجديدة، التي عليها أن تعي ليس فقط المتغيرات في الإقليم، إنما أيضاً ما طرأ على الوضع الداخلي في بلدها، وكذلك في العالم، وأن تدرك أن الفرصة الحالية لن تبقى طويلاً أمامها، فيما هي تنتظر التسويات، وتتعلم من تجربة سادت في العقود الثلاثة الماضية، وكيف أوصلت لبنان إلى هذا الدرك من الخراب على كل المستويات.لذا، على المسؤولين اللبنانيين أن يعرفوا: أولاً، خليجياً لم يعد لبنان الملاذ السياحي الوحيد بالنسبة لمواطني دول “مجلس التعاون”، إذ بالإضافة إلى المناطق السياحية الموجودة في تلك الدول، خصوصاً السعودية وعُمان، وتلك المناظر الخلابة فيهما، والجبال الشاهقة، فإن الدول الأخرى بدأت تتفوق على كثير من الدول في الانفتاح، والمرافق السياحية والترفيهية، كما أن الخليجيين خلال السنوات الثلاثين، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي اكتشفوا الكثير من العواصم أرخص في الخدمات من بيروت.لذا، الرهان على هذه الناحية لن يكون في مصلحتهم، ولا بد من أخذها في الاعتبار، لا سيما أنه في الثلاثين سنة الماضية التي حكم فيها “حزب الله” لبنان جعل من هذا البلد الجميل مجرد مأوى للإرهابيين، ومصنعاً للمخدرات، في حين كان سابقاً مصنعاً للأدب والفن والجمال، ونفذ عمليات كثيرة ضد المواطنين ودول الخليج، وهذا ما جعلنا في “مجلس التعاون” نحاذر من الاستثمار في لبنان، وكذلك نعكف عن السفر إليه، بل نضع الشروط القاسية على مواطنيه إذا أرادوا السفر إلى دولنا.لا شك أن ذلك ساهم في عدم دخول العملات الصعبة إلى هذا البلد، الذي بدلاً من أن يراعي حكامه، يومها، العلاقة الخاصة التاريخية بين دول “التعاون” وبلدهم، استفحلوا في إيذاء الخليجيين، أكان خلال أزمة المصارف اللبنانية، والودائع الخاصة بالمواطنين أو تلك العائدة إلى الحكومات، التي صُودرت، ولم تُدفع إلى اليوم، فيما كان البنك غير الشرعي المسمى “القرض الحسن” التابع لـ”حزب الله”، يزيد توغله في الاقتصاد اللبناني، تماشياً مع الأجندة الإيرانية.لهذا، كان الخطاب الذي حمله وزراء الخارجية الخليجيون إلى العهد الجديد واضحاً، وخلاصته إذا لم تساعدوا أنفسكم فلا أحد سيساعدكم، وإذا كان هناك من يراهن على الوقت لحل معضلة تشكيل الحكومة، فهو خاسر، لأن الفرصة السانحة حالياً لن تتكرر، وبالتالي على اللبنانيين، وكما يقول المثل الشعبي، “أن يقلعوا شوكهم بأيديهم”، أي لن يكون هناك لا إعمار، ولا عودة للبنان إلى الحاضنة العربية، ولا حتى الدولية، ما دام هناك فريق يستقوي بسلاحه على المكونات الأخرى، وعلى الدول العربية.فالمتغيرات الكبرى إقليمياً، وخصوصاً مع التغيير الهائل في سورية، وضعف “حزب الله”، وكذلك حجم الهزيمة التي تلقتها “حماس” في غزة، وغيرها مما جرى في الأشهر الأخيرة، كل هذا يدفع بالقيادة السياسية اللبنانية لأن تتعامل بحكمة من كل ذلك، خصوصاً في تشكيل الحكومة التي أمامها مهمات كبرى.من هذا المنطلق، حين يضع الفريق المهزوم شروطه على غالبية اللبنانيين، في ما يتعلق باحتكار منصب وزير المالية أو غيره من المناصب بمكون حزبي معين، فهو لا يريد تسهيل عمل العهد الجديد، إنما يسعى إلى العرقلة، كما هي عادته منذ العام 1992 حين دخل إلى الحكم، وهو يعمل على جعل بلاده محكومة بثلاثة رؤوس، أو ما يسميه اللبنانيون “المثالثة”، مستنداً إلى “فائض القوة” التي يتمتع بها عبر سلاحه، الذي أثبت أنه لتدمير بلاده، وليس للدفاع عنها.ربما هناك من يعتبر أن هذا الكلام تدخُّل في الشؤون الداخلية، فيما يشهد الجميع، بل إن كل الخليجيين حين يتحدثون عن لبنان فذلك من مصدر محبة، أولاً، وثانياً لأن استقرار أي دولة عربية يعني استقراراً لبقية الدول العربية، كما آن للبنان بعد 50 سنة من المعاناة أن يستريح، خصوصاً أننا على موعد بعد نحو ثلاثة أشهر مع الذكرى الخمسين للحرب الأهلية.هذا لا شك يجب أن يكون في ذهن القادة اللبنانيين، خصوصاً أن العالم يسعى إلى تسويات عقلانية، ولقد كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب واضحاً في قوله إنه سيعمل على إنهاء الحروب، خصوصاً في الشرق الأوسط، فهذا لا يعني أن يترك المجال لإيران كي تفعل ما يحلو لها، وهناك تجربة لطهران مع هذا الرجل.لذا، الابتعاد عن المحاصصة في الحكومة اللبنانية باتت ضرورة، لأنه منذ 32 عاماً لم تفلح في معالجة أي مشكلة، بل زادت الخراب، وجعلت حزباً واحداً يعمل وفق ما تشتهي رياح السفينة الإيرانية، وليس كما يريد اللبنانيون، وهذا طبعاً ما يجب أن يكون في ذهن الرئيس جوزاف عون، ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام، ونقول ذلك من باب النصيحة، وليس تدخُّلاً في الشأن اللبناني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى