أحمد الدواس : انتبهوا…”بيتكوين ” قمار ونصب واحتيال

بين فترة وأخرى تعود شركات القمار الى الساحة لتنصب على الناس بعملة غير رسمية هي “بيتكوين”، إذ تعلن عنها في الصحف ومواقع الانترنت، كما حدث بالأمس، ففي أحاديث ديوانيات الكويت، قال أحدهم: “وضعت مبلغ خمسة آلاف دينار للتداول بتلك العملة، إلا أنني فوجئت بهبوط مدو من قيمة أموالي اذ وصلت حاليا إلى 1450 ديناراً فقط، أي خسرت ما يصل إلى 3550 ديناراً”، والأمثلة كثيرة.لقد تعرض مواطنون ومقيمون لخسائر هائلة بسبب تعاملهم بشيء أقرب للقمار، وما هو إلا نصب واحتيال، وقد كتبنا عنها، لكن من يقرأ، إليكم قصة النقود.في قديم الزمن عاش الإنسان حياةً بدائية، كانت لديه بقرة، مثلا، يشرب من حليبها، ويصطاد غزالاً أو أرنباً ليأكله، وربما ربى بعض الدجاج، والتقط الثمار والفواكه، حين لم يكن للنقود وجود.لهذا تبادل الناس الأشياء بالمقايضة، فإذا أراد أحدهم أن يبادل البيض ببعض اللحم فإن صاحب البيض يبحث هنا وهناك عن صاحب اللحم، فإذا وجده يطلب منه أن يذبح البقرة حتى يعطيه جزءاً منها، وبالطبع فإن مالك البقرة لن يذبحها من أجل أن يعطي صاحب البيض جزءاً منها، فماذا يفعل بباقي اللحم، ما عندهم ثلاجة، وهكذا يكون التبادل مزعجاً.بمرور الزمن اتفق الناس على استعمال شيء ما، يمكن حمله بسهولة ويكون مقبولا لدى الجميع يتبادله الأفراد ثمناً للمأكولات أو السلع، وبالإمكان تخزينه في المنزل، وله قيمة، فقرروا مثلاً استخدام “الملح” لأهميته، فيخرج أحدهم حفنةً منه، لنقل بحجم كف اليد، ليشتري بها البيض أو اللحم، لكن الملح يذوب في الماء وقد يتلف، فلا يصلح كوسيط للتبادل.ثم استعملت المجتمعات الإنسانية “المحار والقواقع” وغير ذلك، أعطيك كذا محارة تعطيني الشي الفلاني.وهكذا إلى ان اكتشف الإنسان ان الذهب والفضة لا يتأثران بالتقلبات المناخية، أو التغيير بمرور الزمن، ويسهل حملهما بسهولة، وأيضاً لتخزين قيمتيهما في المنزل، فتم استخدامهما قبل آلاف السنين، فهذا يعطي الآخر قطعة من الذهب أو الفضة ليشتري، فيقبضها الثاني ويشتري هو أيضا بها، بدلا من حمل الملح.وقبل أكثر من مئة عام، عندما نشبت الحرب العالمية الأولى، أو في حدود ذلك التاريخ لتسهيل التحليل، لم تمتلك أوروبا كمية كافية من الذهب والفضة، وكانت تتقاتل بين بعضها بعضا، ولما كان لا بد للبلد ان يدفع معاشات للجنود، ورصيد الذهب والفضة لا يكفيان، فكرت أوروبا بإصدار الورقة النقدية (“نوت” أو النوط كما نقول) لتدفعها للجنود، على ان تتعهد الدولة بأن تدفع لحامل الورقة كمية من الذهب إن أراد ان يصرفها في البنك، وتدريجياً اعتاد الناس على هذه العملة، ولم يذهبوا الى البنوك ليستلموا الذهب بدلاً منها، اطمئناناً وثقة بقيمة الورقة النقدية التي تصدرها الحكومة على شكل نقود، فأصبح الناس يستعملون “الورقة النقدية”، هذا ما درسناه في كلية الاقتصاد.هذه هي النقود، وكيف ظهرت وتبادلها الناس، يصدرها البنك المركزي، ولها سعر، يقبل به الناس في البيع والشراء، إنها النقود ممثلة بالعملة الورقية، أو الشيك، أو المعادن الثمينة، كالذهب والفضة.أما العملة الرقمية “بيتكوين” التي يـُروج لها على الأنترنت فلا يوصى بها المحللون الماليون، إنها جنون عالمي، إنها قمار وليست استثماراً، وتداولها محفوف بمخاطر مهولة تلحق الخسائر بالناس.لقد استعمل رئيس السلفادور نجيب بوكيله (عربي الأصل) الـ “بيتكوين” في صيف 2021 كعملة داخل بلاده، لكن نظام العملة لم يعمل، وكرهها الشعب.
*السياسة