رأي في الحدث

عبدالرحمن المسفر: السعودية.. بوابة السلام وحل النزاعات العالمية !


لم يعد الدور السعودي في الساحة الدولية مجرد انعكاس لثقلها الاقتصادي، بل باتت الرياض مركزًا رئيسيًا لصنع السلام، ووسيطًا موثوقًا في حل النزاعات المعقدة التي تعجز قوى كبرى عن تسويتها. فمنذ سنوات و المملكة تتبنى نهجًا دبلوماسيًا متوازنًا، يجمع بين الواقعية السياسية والمسؤولية الأخلاقية، وهو ما جعلها مرجعًا في إدارة الأزمات، سواء في محيطها العربي أو على المستوى الدولي.

في هذا الإطار، تستعد الرياض لاستضافة قمتين محورتين، تعكسان حجم الثقة الدولية والإقليمية بالدبلوماسية السعودية. فالقمة الأولى، هي الخماسية المقررة في 20 فبراير، حيث تأتي ردًا على محاولات التهجير القسري لسكان غزة، وتهدف إلى بلورة موقف عربي موحد يقطع الطريق على أي تحركات تسعى إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للأراضي الفلسطينية .

المملكة، التي طالما أكدت على مركزية القضية الفلسطينية، تدرك أن مواجهة هذه المخاطر تتطلب موقفًا سياسيًا قويًا مقرونًا بحلول عملية على الأرض، تشمل :إعادة الإعمار، ودعم الاقتصاد الفلسطيني، وتحركات دبلوماسية توقف أي محاولات لفرض واقع جديد على غزة. ولذا فإن هذه القمة، لن تكون معزولة عن الجهود العربية الأوسع، إذ تمثل تمهيدًا لقمة القاهرة العربية المزمع إقامتها في 27 فبراير التي ستعمل بدورها على وضع أطر سياسية ودبلوماسية لتعزيز الموقف العربي وتفعيل أدوات الضغط لحماية الفلسطينيين من أي تهديدات وجودية.

أما القمة الثانية، التي لم يُعلن عن موعدها حتى الآن، فهي قمة استراتيجية بامتياز، من المتوقع أن تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في الرياض، بغية مناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا وملفات أخرى ذات طابع استراتيجي ، فمجرد طرح الرياض كمقر لهذا الاجتماع يعكس مكانتها كعاصمة للتسويات الكبرى، وهو ما يعني ان المملكة أصبحت طرفًا مؤثرًا في الملفات الدولية الشائكة.

الصراع في أوكرانيا الذي ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي ورفع منسوب التوتر بين القوى العظمى، يتطلب وسيطًا قادرًا على الجمع بين الأطراف المتنازعة وإيجاد أرضية مشتركة للحل. والسعودية التي نجحت سابقًا في التوسط في صفقات تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، تبدو اليوم في موقع يؤهلها للعب دور أوسع، قد يقود إلى تهدئة الأوضاع ووضع أسس لحل سياسي شامل.

نجاح هاتين القمتين ، سيعزز من موقع الرياض كقوة دبلوماسية مركزية، قادرة على التأثير في مجريات الأحداث الكبرى. فالمملكة، التي اعتمدت على دبلوماسية هادئة ولكنها حاسمة، تمكنت من إعادة تشكيل صورتها على المستوى الدولي وباتت وسيطًا مقبولًا لدى القوى المتنافسة ومناورا محترفا يجيد التحدث بلغة المصالح مع الجميع، دون أن تفقد بوصلتها الاستراتيجية.

في السياق الإقليمي، لا يمكن تجاهل أهمية هذه التحركات التي تعكس توجهًا سعوديًا راسخا نحو تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، فكما كانت الرياض حاضرة في ملفات اليمن ولبنان والسودان، ها هي اليوم تكرس نفسها لاعبًا محوريًا في الملف الفلسطيني، وفي إدارة التوازنات الدولية المتعلقة بأوكرانيا، ما يؤكد أن المملكة لم تعد طرفا في المعادلات الإقليمية فقط ، بل أضحت قوة يُحسب لها حساب على المستوى العالمي.

المكاسب السياسية والاستراتيجية من هاتين القمتين ،ستكونان ذات أوجه متعددة ، فإلى جانب تثبيت موقع
الرياض كعاصمة للدبلوماسية العالمية، سوف تنمي المملكة علاقاتها مع القوى الكبرى، وستضع نفسها في قلب التوازنات الدولية، بما يخدم مصالحها ويكرس نهجها كدولة فاعلة في النظام الدولي. فضلا عن أن تلك التحركات ستمنحها أوراق قوة إضافية في قضايا أخرى، سواء على مستوى تحصين الأمن الإقليمي، أو في الملفات الاقتصادية التي تتقاطع مع محاور العمل السياسي .

السعودية اليوم ليست لاعبا في الساحة الدولية فحسب ، بل أصبحت أحد صناع المشهد السياسي العالمي، وأبرز الأطراف التي لا يمكن تجاوزها عند البحث عن حلول لأكثر القضايا تعقيدًا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى