رأي في الحدث

عمر البردان : رعاية سعودية للتطبيع بين بيروت ودمشق

يضع أركان العهد في سلم أولوياتهم إعادة تركيز دعائم التواصل مع الأشقاء والأصدقاء، في إطار تأمين الدعم المطلوب لمسيرة إعادة البناء والإعمار، ووضع مؤسسات الدولة على سكة التعافي . وتحت هذا العنوان تأتي زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى دولة قطر، غداً، ومن بعدها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة . وهما محطتان أساسيتان يعول عليهما على صعيد تلبية احتياجات لبنان المالية والاقتصادية للمرحلة المقبلة، في إطار ما سبق وتعهدت به دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، من أجل توفير ما يحتاجه لبنان، ليستعيد عافيته وحضوره على المستويين العربي والدولي . ويحدو الرئيس عون، استناداً إلى ما أبلغته أوساط رئاسية “اللواء”، أمل كبير في حصول لبنان على الدعم اللازم، من أجل الانطلاق بعملية إعمار ما هدمته الحرب، والبدء باتخاذ الخطوات الكفيلة بوضع القطار على السكة، سعياً من أجل ترجمة خطاب القسم، واستناداً إلى المبادىء التي حددها رئيس الجمهورية في خطابه الأخير، وتحديداً ما يتصل ببناء دولة القانون والمؤسسات، في إطار حصرية السلاح بيد الدولة وحدها، باعتبار أن أي سلاح خارجها، يشكل مصدر إضعاف وتهديد لها .

وفي الموازاة، فقد استبق رئيس الحكومة نواف سلام، زيارتي الرئيس عون إلى الدوحة وأبوظبي، بزيارة في غاية الأهمية إلى سورية، اليوم، على رأس وفد وزاري رفيع، ضم وزراء الخارجية يوسف رجي، الدفاع ميشال منسى والداخلية أحمد الحجار . وقد التقى الرئيس سلام والوفد المرافق الرئيس السوري أحمد الشرع، إضافة إلى عدد من كبار المسؤولين، حيث تم البحث في عدد من القضايا الثنائية الشائكة، وفي مقدمها ملفا ترسيم الحدود ، وموضوع اللبنانيين المخفيين في السجون السورية في عهد النظام البائد . وفي خطوة على قدر كبير من الأهمية، تعكس الرعاية السعودية لملف تطبيع العلاقات بين بيروت ودمشق، حط في العاصمة اللبنانية، صباحاً، وقبل توجه الوفد اللبناني إلى العاصمة السورية، الموفد  السعودي المكلف بالملف اللبنانيّ الأمير يزيد بن فرحان الذي زار الرئيس عون، وكان بحث في التطورات الداخلية، وما يتصل بالعلاقات الثنائية، إضافة إلى مستجدات الأوضاع في المنطقة . كذلك زار المسؤول السعودي الرئيس سلام . وجرى بحث في مختلف الملفات المطروحة، وتحديداً ما يتعلق بمسألة العلاقات اللبنانية السورية .

وتأتي زيارة بن فرحان إلى بيروت في هذا التوقيت، في إطار مواكبة المملكة العربية السعودية لخطوات رعاية عملية التطبيع بين لبنان وسورية، على صعيد إزالة رواسب الماضي، وفتح صفحة جديدة تقود إلى ترسيم واضح للحدود البرية بين البلدين، ومن ثم البحرية في مرحلة لاحقة، إضافة إلى إيجاد حلول لعدد من القضايا العالقة، ومن بينها موضوع السجناء، وما يتصل بالمخفيين قسراً في سجون النظام السابق . كذلك الأمر تحرص الرياض على حصول توافق لبناني سوري على ضرورة ضبط الحدود بين البلدين، ما يحول دون حصول عمليات تهريب للسلاح وغيره . في ظل حديث عن وجود توجه مشترك لدى بيروت ودمشق، بغية تشكيل لجان عمل متخصصة، سعياً لوضع تصور يقود إلى بلورة مخارج حلول للقضايا العالقة بين البلدين الجارين . ولا تستبعد مصادر لبنانية، أن يتم التوافق بين بيروت ودمشق على إلغاء معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، على غرار المجلس الاعلى اللبناني- السوري وأمانته العامة، بعد فقدان مبرر بقائهما بسقوط النظام الأسدي، بعد انتصار الثورة السورية .

وإذ يعلق لبنان أهمية كبيرة على نتائج المحادثات التي عقدها الرئيس سلام في دمشق، في إطار كونها محطة تأسيسية جديدة لتصحيح مسار العلاقات بين الدولتين، على قاعدة احترام بعضهما بعضاً، حيث تطرقت المحادثات وف مصادر وزارية لبنانية، إلى ملفات دقيقة بين البلدين ذات اهتمام مشترك، وفي مقدمها ضبط الوضع الأمني عند الحدود ومنع التهريب وإغلاق المعابر غير الشرعية. وتضم الحدود بين لبنان وسوريا الممتدّة على 330 كيلومترا، معابر غير شرعية، غالبا ما تستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح. وشهدت المنطقة الحدودية الشهر الماضي توترا أوقع قتلى من الجانبين. ولم تستبعد المصادر، أن يكون تم البحث في إمكانية إعادة دراسة الاتفاقيات القديمة، والعمل تالياً على وضع اتفاقيات جديدة” في مجالات عدة، إلى جانب السعي لتشكيل لجان تحقيق في الكثير من الملفات الأمنية والقضائية بين البلدين . 

وتعكس أجواء اللقاءات التي يجريها المسؤولون اللبنانيون مع الضيوف الأجانب، ارتياحاً لدى الخارج من الاداء الرسمي في ما يتعلق بسياسة لبنان الخارجية، بحيث أن هؤلاء المسؤولين سمعوا من الزوار كلاماً مطمئناً إلى مستقبل لبنان، وأن الخارج سيقف إلى جانبه في عملية إعادة الإعمار وإزالة مخلفات الحرب، وتجاوز أزماته الاقتصادية والمعيشية، في مقابل التشديد على ضرورة تنفيذ لبنان للإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة منه، من أجل أن يحصل على الدعم العربي والدولي . وكذلك على ضرورة أن تلتزم الحكومة اللبنانية الجديدة بتطبيق القرارات الدولية، وتعمل على نشر قواتها الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية، وألا يكون هناك سلاح، إلا سلاح الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية . وهذا بالتأكيد من شأنه أن يشكل دافعاً للدول المانحة أن تقدم الدعم الذي يحتاجه لبنان، في مواجهة متطلبات المرحلة المقبلة . باعتبار أن هناك دولاً ومؤسسات أبدت استعدادها لمساعدة لبنان، بهدف مساندته للخروج من هذا المأزق .

*اللواء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى