رأي في الحدث

محمد فيصل الدوسري: لا مكان للإخوان في دول الاعتدال

لم يعد تنظيم الإخوان المسلمين مجرد “تنظيم سياسي” يتاجر بالدين كغطاء فحسب، بل بات أحد أكثر التهديدات تعقيدا على الأمن العربي، بعدما تحوّل إلى شبكة أيديولوجية عابرة للحدود، تستثمر في الفوضى، وتُتقن التسلل إلى مؤسسات الدولة تحت شعارات دينية زائفة، قبل أن تنقضّ عليها باسم الثورة أو التمكين.

التحقيقات الأخيرة التي أعلنتها دائرة المخابرات العامة الأردنية حول كشف أربع خلايا إرهابية مرتبطة بجماعة الإخوان، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحديث عن الجماعة اليوم يجب أن يتجاوز الخلافات الفكرية أو السياسية، ليأخذ موقعه الطبيعي كقضية أمن قومي. فالجماعة التي تم حلّها قانونيا في الأردن عام 2020، أعادت إنتاج نفسها عبر واجهات مرخصة (حزب جبهة العمل الإسلامي)، لتواصل نشاطها في الخفاء، وتنسق مع تنظيمات خارجية كحماس وحزب الله.

ما كشفته الأدلة الميدانية والاعترافات يتجاوز التنسيق أو التمويل، ليصل إلى حدود تصنيع طائرات مسيّرة وصواريخ محلية الصنع، والتخطيط لشن عمليات إرهابية داخل الأردن، في محاولة لتفجير الوضع الأمني للمملكة تحت راية مقاومة مزيفة، تمارسها جماعة لا تؤمن إلا بالتمكين والسيطرة، ولو على أنقاض الأوطان.

ولا يُعدّ الأردن استثناء، فالجماعة الإرهابية استخدمت التكتيك نفسه في دول عربية عدة، بدءا من مصر، حين تسلقت المشهد ومارست الإقصاء وعملها التنظيمي المسلح والعنف والتخطيط للاغتيالات، وصولا إلى ليبيا حيث تحالفت مع الميليشيات المسلحة، وانتهت إلى تقسيم البلاد. وفي تونس، عطّلت الجماعة بقيادة “حركة النهضة” كل مسارات التنمية، وزرعت الانقسام السياسي، وكانت سببا رئيسيا في تفاقم الأزمة الاقتصادية.

أما الدول التي استوعبت مبكرا خطورة المشروع الإخواني، فقد جنّبت شعوبها نفس المصير. وفي مقدمتها دولة الإمارات التي اتخذت منذ سنوات موقفا استباقيا لا لبس فيه، بتجريم جماعة الإخوان وتصنيفها تنظيما إرهابيا. الإمارات لم تكتف بإجراءات قانونية، بل تبنت إستراتيجية فكرية وأمنية شاملة، أساسها تجفيف منابع التطرف، وتعزيز نموذج الدولة الوطنية المنفتحة على التنمية والسلام والاعتدال، بعيدا عن الشعبوية والشعارات الدينية المسيّسة.

لا مكان للإخوان في دول الاعتدال، لأن هذه الدول اختارت طريق التنمية على حساب الفوضى، وطريق الاعتدال على حساب التطرف. التجربة الإماراتية تمثل نموذجا رائدا، حيث نجحت في تحصين مجتمعها ومؤسساتها من اختراقات التنظيم الإرهابي عبر مقاربة شاملة أغلقت الأبواب أمام كل أشكال التغلغل الأيديولوجي والسياسي.

والدول التي تبني مستقبلها على أسس من التسامح والازدهار لا يمكن أن تقبل بتنظيمات تحمل مشاريع الظلام وتعمل في الخفاء لهدم الدولة من الداخل. لذا تأتي ضرورة حماية الدول الوطنية من الابتزاز الأيديولوجي الذي تمارسه الجماعة في كل مكان تصل إليه. فالإخوان لا يؤمنون بالدولة الوطنية، ولا يقيمون وزنا لمفاهيم السيادة أو القانون، بل يرون في السلطة غاية، يستخدمون لأجلها كل الوسائل، بما في ذلك التحالف مع القوى الأجنبية والميليشيات المسلحة.

وما أعلن عنه الأردن الشقيق، يجب أن يكون جرس إنذار لكامل المنطقة. فالدولة الأردنية كانت ولا تزال ركيزة استقرار في الإقليم، وبوابة أمنية حيوية على الخطوط الساخنة في سوريا والعراق وفلسطين. وإنّ أي تهديد لاستقرار الأردن، هو تهديد مباشر لأمن الوطن العربي بأسره، وهو ما يضع الجميع أمام مسؤولية واضحة، تجاه حماية الأردن ودعم خياراته في مواجهة الإرهاب الإخواني.

لقد أثبتت التجربة أنّ لا جدوى من استرضاء الجماعة أو احتوائها سياسيا، لأنها ببساطة لا تؤمن بالمشاركة، وأن أيّ مساحة تُمنح لها سرعان ما تتحوّل إلى منصة للتجنيد والتحريض وبناء التنظيمات السرية. ما تحتاجه المنطقة اليوم ليس “جماعات” ترفع شعارات لا تملك تصوّرا لبناء دولة، بل “دول وطنية” تتجه بوصلتها نحو التنمية والاعتدال والسلام، وتحترم سيادة القانون وتمنع تسلل التطرف إلى مؤسساتها.

أمن الأردن من أمن العرب، وعلى الجميع أن يدرك أن مشروع الإخوان لم يعد خطرا سياسيا قابلا للاحتواء، بل أصبح خطرا أمنيا لا يحتمل التأجيل. والخيار واضح، إما دول وطنية قوية، أو تنظيمات فوضوية تتغذى على أزمات الشعوب وتختطف مستقبلها.

*العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى