أحمد الجارالله : إلى بلد الرايات المتعددة… العراق سيعود لرشده وصبرنا مديد

المتابع للإعلام العراقي، يجد حملات عدة من أبواق معروفة التوجهات ضد الكويت، وكل هذا الضجيج يخف ويرتفع بناءً على مصالح من يدير تلك الأذرع، فمرة يكون من أجل “التهويس”، وأحياناً لمن يحاول أن يصنع بطولات وهمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن في المحصلة هو ضد بلاده وشعبه.كلنا نعرف أن العراق منذ العام 2003 أصبح بلد الرايات المتعددة، وكل منها لها ساريتها المالية والمصلحية، وهي لا تمثل بلاد الرافدين، فتماماً مثلما اغتصب “البعث” تمثيل العراقيين طوال حكمه، وكان صدام الآمر الناهي، وهو ما أدخل تلك البلاد الرائعة في جحيم تلو الجحيم، وكما جاء الاحتلال الأميركي لجعلها بين أنياب وحشين، الإرهاب والعصابات الطائفية التابعة للمشروع الفتنوي، فثمة من يريد رجوع عقارب الساعة إلى الوراء حالياً.لذا نقول: إذ كان غزو الكويت، تلك المغامرة المتوحشة لصدام حسين، أحيت عند بعض صغار العقول المقولة الفاسدة للملك غازي، ومن بعده عبدالكريم قاسم “إن الكويت جزء من العراق”، فهؤلاء ينحرون بلادهم، فلقد تأكدوا في 26 فبراير عام 1991، أن ذلك جلب على شعبهم الكثير من الويلات.أما الذين لا يزالون يحلمون بذلك، وأنهم يستطيعون نقض الاتفاقات الدولية، والقرارات الأممية، ومعاهدة ترسيم الحدود، فإنهم لا يدركون أنها كلها كانت تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ونقضها بات من المستحيلات.على هؤلاء أن يعرفوا أن العلاقة الأزلية بين الشعبين أكبر من “هوسات” وضجيج إعلامي، فالكويت كانت في كل المراحل إلى جانب العراق، حكوماتها وشعبها، حتى في أشد اللحظات صعوبة، وبالتالي فإن تلك الأصوات لن تضر بالكويت.صحيح أن الحكومة العراقية لا تستطيع لجم الحرية المنفلتة في الإعلام، وأن القرار الرسمي غير ذلك الذي يصدر في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي، لكن في الوقت نفسه، لن يستطيع هؤلاء تغيير حرف واحد في تلك الاتفاقات، ولا لديهم القدرة على بناء جدار بين الكويت والعراق، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة مع المكسيك، أو إسرائيل مع الضفة الغربية والحدود اللبنانية.في الكويت ندرك أن تلك الأذرع لها من يحركها من خارج الحدود، والمُشغل يريد تحقيق مصالحه المشبوهة على حساب الشعب العراقي، و”الهوسات” لن تغير في الواقع، فلا القيامة ستقوم على الكويت، والحقيقة الجغرافية ستبقى كما هي، وهذا ما استند إليه كل من رئيسي الجمهورية والوزراء العراقيين في طعنهما على قرار المحكمة الاتحادية العليا، لأنهما يدركان أن حُسن الجوار من المبادئ التي قامت عليها الدولة العراقية الجديدة، ولهذا، فإن إعادة هذا الموضوع التفصيلي إلى الواجهة مرة أخرى عمل مشبوه، ويخفي نوايا خبيثة بالتأكيد غير عراقية.مع الأسف، ونقولها بمرارة كبيرة، ثمة من يحاول استغلال ذلك لمصلحة إقليمية، هدفها اختراق الأمن القومي العراقي، ومحاولة التشويش على الكويت، وإشغال البلدين في شأن حسم منذ زمن طويل.هنا علينا التأكيد مرة أخرى: لن تعاد مسرحيات إذاعة “قصر الزهور” ولا “هوسات” قاسم، أو عنتريات “فدائيي صدام” أو ما كان يسمى “جيش القدس”، لذا نقول صبراً جميلاً، والله المستعان، فمن يعرف طبيعة العلاقات بين البلدين أيام الملك فيصل، يدرك ماذا تعني هبة الكويت لمساعدة العراق في شتى المجالات بعد تحريره من “بعث صدام”.ويعرف أكثر أن تلك المدن الجميلة على الحدود العراقية القريبة من الكويت، بُنيت بأموال كويتية لتنشيط الحركة التجارية بين البلدين، وأن ميناءي مبارك الكبير والفاو يكملان بعضهما بعضاً، وأن سعي الكويت لجعل المنطقة الشمالية اقتصادية بامتياز، وبناء مصانع ومؤسسات تجارية، وخدمية، تخدم العراق أكثر مما تخدمنا.على هذا الأساس، سعى الراحل المغفور له، الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، وكل حكام الكويت، إلى بناء علاقات راسخة تقوم على مبدأ التعاون بين البلدين والشعبين، لأن هناك قناعة كويتية راسخة، وهي أن الأمن الاقتصادي المستقر هو الازدهار، والتبادل التجاري الكبير، وليس “الهوسات” وتخاريف أصحاب العقول المريضة، وأصحاب الرايات الطائفية، يؤسس لاستقرار اجتماعي دائم، ويحسن الأوضاع المعيشية للشعب العراقي.لهذا، ليس من مصلحة أحد ترك تلك الأذرع المشبوهة تثير الضجيج الدائم بمبررات لا تمت للحقيقة بصلة، لأنها تُغيّب صوت العقلاء، وتجعل أصحاب الأجندات الإقليمية ينفذون من خلالها إلى تعكير صفو العلاقات بين البلدين، والشعبين، وكذلك تثير الفتن بين العراقيين أنفسهم.على الأذرع تلك، إذا كان فيهم رجل رشيد، أن تتفكر في ما آلت إليه الأمور في سورية ولبنان واليمن، وكيف انتهى التباهي الإيراني باحتلال أربع عواصم عربية، فقريباً سيسأل المرء في العراق: أين هي الأبواق الزاعقة بما كان يردده أولئك، وماذا عن الأمجاد التي وعدوا بها؟إنها المرارة التي تحاشينا الحديث عنها طوال الفترة الماضية، لكن الضجيج ارتفع إلى حد لا يمكن السكوت عنه، ولعل هناك من يقول لهؤلاء كفى، ولابد من كلمة تقال لمن أسكرهم الغباء: إن الخاسر من كل ذلك هو العراق وليس الكويت، فثوبوا إلى رشدكم، وأمعنوا النظر في مذكرتي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقيين، لأنها كلمة رشد قيلت في زمانها ومحلها الصحيحين.