الحبيب الأسود : إصلاحات متعددة الأبعاد وراء نجاح موسم الحج

نجاح المملكة العربية السعودية في تنظيم موسم الحج لهذا العام كان منتظرًا، وكان برسم التأكيد الكامل على أن المملكة قادرة على الإيفاء بكافة تعهداتها، من أجل أن يؤدي ضيوف الرحمن المناسك في ظل الأمن والاستقرار والسكينة والصفاء الروحي والنقاء الإنساني، وأن يتمتعوا بكل ما يحتاجون إليه من خدمات تُساهم في تحقيق ذلك الطموح الديني والثقافي والاجتماعي العظيم الذي يعيش في نفوس كل مسلمي العالم ممن يستطيعون أو يودون، لو استطاعوا إليه سبيلاً.
والمؤكد أن قيادة المملكة استطاعت تحقيق النجاح والتميز والتفوق على نفسها، إذ رفعت من مستويات التحدي، وجعلت من أحدث التقنيات العالمية أدوات لتأمين الموسم وتوفير ظروف الراحة الكاملة للحجيج، وجعلت ضيوف الرحمن في حالة من التفرغ التام لأداء المناسك دون الانشغال بغيرها.
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قال “ما شاهدناه اليوم من نجاح متواصل في خدمة ضيوف الرحمن، يأتي نتيجة لجهود دولتنا المباركة في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. وسوف نواصل، بحول الله وقوته، بذل جميع الجهود لتوفير سبل الراحة لضيوف الرحمن،” وأكد أن المملكة وضعت ذلك في مقدمة اهتماماتها، وسخرت كافة قدراتها لخدمة ضيوف الرحمن وتيسير أداء مناسكهم بيسر وسهولة، مُجَدَّدَةً التأكيد على أنها ستواصل ذلك، مدركةً عِظَم المسؤولية وشرف الخدمة.
كلمات ولي العهد وصلت إلى كل أرجاء العالم، ووجدت صدى إيجابيًا في قلوب ملياري مسلم كانوا يتابعون أكبر تجمع بشري على شاشات الإعلام الكلاسيكي والبديل. كما بادر قادة الدول الإسلامية بتهنئة القيادة السعودية؛ فقد أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحسن التنظيم لموسم الحج هذا العام وبنجاح الإجراءات التي اتخذتها السعودية للحفاظ على أمن وسلامة الحجاج. كما ثمّن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الدور الكبير للمملكة في إدارة وتنظيم الحج، وأشاد بالمستوى العالي من الاحترافية الذي أظهرتَه الأجهزة المعنية، والذي انعكس إيجابيًا على راحة الحجاج وسهولة تنقلاتهم وسلامتهم أثناء تأدية المناسك. وفي الوقت نفسه، أعرب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن تقديره للخدمات المميزة التي توفرها السعودية لضيوف الرحمن، مشيدًا بالتنظيم الذي يشهده موسم الحج. بالإضافة إلى ذلك، عبّر مجلس حكماء المسلمين عن تقديره لاستضافة المملكة لأكثر من مليون وستمائة ألف حاج هذا العام، في ظل تنظيم متميز وتسخير كافة الإمكانات لضمان أداء مناسك الحج بأمن وسلام، مثمنًا جهود وزارة الشؤون الإسلامية في توعية الحجاج وإرشادهم وتيسير أداء المناسك بانسيابية تامة.

برقيات ورسائل التهنئة والمكالمات الهاتفية التي تلقتها القيادة السعودية كانت جميعها تصب في إطار التأكيد على أن موسم الحج لهذا العام قد مثّل نموذجًا متميزًا للنجاح على مستويات التنظيم وتوفير الخدمات، وهو ما كان واضحًا جليًا في الصورة.
البعد الآخر للنجاح هو قدرة القيادة على تصفير الخلافات مع الأشقاء في مختلف دول العالم، واستعادة مكانتها كساحة تجميع للمسلمين باختلاف مشاربهم ومذاهبهم ووجهات نظرهم. لقد أثبتت السياسات التي تعتمدها أو تتبناها القيادة أن هناك إصلاحات عميقة طالت كل المجالات وشملت كل القطاعات، وطرقت جميع الأبواب، وفرضت احترامها على الجميع.
نائب أمير مكة، الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، أعلن نجاح حج هذا العام، والبدء فورًا في التحضير لموسم حج العام المقبل، وأكد أن “الحجاج شركاء في النجاح لالتزامهم بالتعليمات،” مضيفًا أن “المملكة قيادة وشعبا تفخر بخدمة المقدسات وقاصديها.” وكانت الجوانب الأمنية والصحية واللوجستية على مستوى عالٍ من الإعداد والتخطيط والتنفيذ، وهو ما أعجب القاصي والداني وأثبت للعالم قدرة المملكة على أن تكون في الموعد مع الأحداث الكبرى، وأكبرها على الإطلاق موسم الحج.
وزير الحج والعمرة ورئيس لجنة برنامج “خدمة ضيوف الرحمن”، توفيق الربيعة، أوضح أن السعودية نفذت 46 مشروعًا جديدًا في مجال الطاقة لتعزيز المنظومة الكهربائية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ما أدى إلى زيادة السعة الكهربائية في المشاعر بنسبة 75 في المئة، وأشار إلى أن “تكلفة هذه المشروعات بلغت نحو 800 مليون دولار،” مبرزًا أن المملكة استقبلت في موسم الحج أكثر من 7 آلاف رحلة طيران من 238 وجهة عالمية، كما جرى تشغيل 4700 رحلة عبر قطار الحرمين و2500 رحلة عبر قطار المشاعر، بالإضافة إلى مشاركة أكثر من 20 ألف حافلة نقل.
الحديث عن المملكة الجديدة يتيح لنا دائمًا فرصة النظر بعمق لما يتحقق من إنجازات على أرض الواقع، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وتحت إشراف مباشر من ولي العهد، راعي المسار التاريخي والحضاري والديني والقيمي والأخلاقي للبلد الذي حباه الله بشرف خدمة مقدساته وتدبير الجانب الروحي لعباده المؤمنين، ممن يهيمون شوقًا إلى أداء فريضة الحج إلى بيته الحرام. ففي هذا المشهد تتجلى الصورة الرائعة المدهشة، سواء في اجتماع المسلمين في ضيافة الحرمين أو في عظمة المملكة كدولة تنمو بسرعة قياسية، لتكتسب المكانة التي تليق بها بين الدول المتقدمة علمًا وعملاً، وبقوة وتأثير.
*العرب