أحمد الجارالله : الرياض وأبوظبي… والحارثون في بحر الأوهام

منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 25 مايو 1981 لم تنفك محاولات ضرب هذا المشروع التاريخي المشترك بين الأشقاء في الأسرة الخليجية، لكنه كان دائماً يخرج من الأزمات أقوى وأكثر صلابة، لذلك فإن أي سعي حالياً لتعكير العلاقة بين أبناء البيت الواحد مجرد سراب، ولنا في الأزمة التي استمرت بضع سنوات، وكَثُر الهرج والمرج حولها، وأطلق المشككون عشرات الأسهم المسمومة سعياً منهم إلى إحداث خلل في تركيبة “مجلس التعاون” مثال، إذ جاءتهم الصفعة من قمة العلا حيث اجتمع الأخوة، وكأن شيئاً لم يكن.
في هذا المجلس دولتان هما بمثابة عمودين أساسيين فيه، هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكثيراً حاول المتصيدون في الماء العكر المراهنة على التمايز في مواقفهما من بعض القضايا، غير ان الخيبة كانت دائماً من نصيب أولئك، لأن هذا المجلس وُجد ليبقى، ويستمر في مسيرته حتى يصل إلى التكامل الكلي بين الأعضاء.
صحيح أن الإنجازات المتوخاة ليست بالمستوى الذي تطمح إليه شعوب المنظومة، لكن ذلك لا يعني أن أي عارض عابر يصيبها سيؤدي إلى موتها، فما تعرضت له منذ نحو عقد من الزمن، بدءاً من سعي “الإخوان” إلى تخريب دولها، مروراً بخطة إدارة باراك أوباما لتغليب منطق التآمر الإيراني على صوت العقل والاعتدال الخليجي، وصولاً إلى الحرب في اليمن، وإصرار نظام الملالي ومن خلفه العملاء الحوثيون على تقويض قوة التحالف العربي بقيادة السعودية، تُعاونها الإمارات القوة الثانية الفاعلة، إضافة إلى بقية دول الخليج، كلها سقطت عند أعتاب المجلس، لأن وحدة المصير والمسار السور العظيم لهذا التجمع أكثر رسوخاً من أي أمر آخر.
في كل التجمعات الإقليمية والدولية هناك وجهات نظر مختلفة، تنبع من رؤية كل دولة لكيفية حماية مصلحتها، وهذا الأمر طبيعي بين الأشقاء، لكن للأسف ثمة صحف ووسائل إعلام ومواقع تواصل، عربية وغربية، ما إن ترى ذلك التمايز في موقف تقني بحت حتى تبدأ القصف على “مجلس التعاون”، وكأن الذين يتابعون هذا الملف لا يعودون إلى أرشيفاتهم، فيهرفون بما يتوهمون على أنه حقيقة قائمة.
كثيرة هي التباينات في منظمة”أوبك” حيال ملفات عدة، وليست هذه المرة الأولى غير أن الاختلاف في الرأي لم يفسد للود قضية بين هذين الركنين الشقيقين، بل كان دائماً يعود بالفائدة على المنظومة الخليجية ككل.
وهو ما تطمح إليه شعوب دول المجلس” لا سيما أن في البلدين قادة حكماء يتمتعون ببعد النظر، أكان الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أو الشيخ محمد بن راشد والشيخ محمد بن زايد وبقية قادة الإمارات، فكل هؤلاء يدركون جيداً التحديات التي تواجه دول الخليج العربية مجتمعة، ويعلمون، أيضاً، خبث وشراسة المتربصين بها، إضافة إلى ذلك فإن هذه الأيقونة (السعودية والإمارات) مصانة دائماً بإصرار شعوب ودول “التعاون” على المزيد من الوحدة والتكامل، لذلك نقول لكل الذين يسعون إلى اللعب على التمايز في المواقف بين البلدين أنتم تحرثون في بحر.
