بدر خالد البحر: وحدة خليجية تواجه إيران.. بعيداً عن لبنان
عندما بدأت وسائل الإعلام والتواصل تتناقل خبر تأزم المناقشات بين السعودية والإمارت حول تمديد اتفاق «أوبك+» بخفض الإنتاج الذي اعترضت عليه الإمارات، ضاقت صدورونا هاوية من عنان السماء، حتى حُل الخلاف بين الشقيقتين بالرابع عشر من يوليو بتحديد مستوى إنتاج أعلى للإمارات، فعادت المياه لمجاريها وتنفسنا بعدها الصعداء.
وقد يستغرب البعض كيف لأشخاص عاديين أمثالنا أن يتوجسوا خيفة وتتأجج مشاعرهم لخلاف يحدث بين دول أخرى، إلا أن مصيرنا في مجلس التعاون مشترك وجسدنا واحد عندما اشتكى منه عضو، في واقعة ستمر ذكراها على الكويت بعد أسبوعين، تداعت له سائر دول الخليج بالسهر والنفس والنفيس.
إن التئام الإخوة هذه المرة لهي مناسبة لنكرر أهمية دعوة أطلقناها منذ أكثر من عقد ونصف العقد وشاركنا فيها المتخصصون، لتحقيق «كونفدرالية خليجية» تعطينا ثقلا أكبر أمام الدول العظمى لمواجهة إيران العدو الإقليمي، فالكونفدرالية العسكرية تحققت بعفوية أخوية لتحرير الكويت وكان يجب أن تستمر، كما كان من الممكن تحقيقها اقتصادياً بكثير من الجوانب أو منذ أول مؤتمر للطاقة النووية الذي تابعنا أحداثه عام 2007 بدولة الإمارات برعاية الشيخ محمد بن زايد، بعنوان «المصادر المستقبلية للطاقة في الخليج العربي»، شاركت فيه السعودية والكويت وقطر، ثم تلتها بعد عامين دعوة أخرى أطلقتها الإمارات وبينت فيها رغبة دول المجلس بالدخول بالطاقة النووية، التي تناولناها بإحدى مقالاتنا آنذاك.
لقد انتظرنا هذا الحلم لأربعة عشر عاماً حتى تحقق بتشغيل أول محطة نووية إماراتية (براكة)، حلم تجدد بعد إعلان السعودية لمشروعها الوطني للطاقة النووية، الذي نأمل أن تلحق بركبه بقية الدول الخليجية، وتلحق بالخطوة السعودية لترتبط بطريق 664 كيلومتراً الذي يصل السعودية بعُمان ليربط بقية مجلس التعاون، لما لدينا من قواسم مشتركة وما يجمع وحدتنا من دين واحد وعرق وأرض جعلت من شعوب الخليج لحمة متجانسة لا نقبل لها أن تفترق.
وليس أفضل من لبنان كدولة نفاضل فيها بين معايير استقرارنا، فلبنان يمر بأزمة خانقة تتناحر فيها طوائفه، ويقع على مساحة أقل من نصف في المئة من مساحة دول الخليج، ويضم قرابة مئة حزب سياسي متفرع من كل طائفة وديانة ومعتقد سياسي وولاء خارجي، كالمسيحيين والسنة والشيعة واليساريين والدروز والناصريين وكذلك العلويين والقوميين والأكراد والأرمن وغيرهم.
ومما لا شك فيه أن هذه التقسيمات تصنع خلافاً وتناحراً، كأول اغتيال لرئيس وزراء بعد الاستقلال، رياض الصلح، الذي يصادف غداً من عام 1951، كما تصنع حروباً أهلية حصدت أكثر من مئة وعشرين ألفاً وهجّرت الملايين. ثم جاء اتفاق الطائف ليوقف الحرب منذ اثنين وثلاثين عاماً، اتفاق كان يتصدع بين الآونة والأخرى رغم استمراره الشكلي، حتى حدث شرخ غائر باغتيال الحريري الذي تشكلت بعده تحالفات متضادة، 14 و8 آذار، التي زادت الانقسام رغم محاولات الإصلاح الخارجية، كالمباحثات التي تصادف ذكراها غداً عام 2007 تحت وصاية فرنسية بمدينة سان كلو واستمرت ليومين وخرج منها اللبنانيون من دون نتيجة! لتتصور البون الشاسع بين مصالح تلك الأحزاب الفاقدة لأهلية تمكنها من تقرير مصيرها، علاوة على تصدير صراعاتها إلى الخارج من تهديدات نالت من الجوار وطالت دول مجلس التعاون الخليجي على مدى عقود وحتى الآن، وبعد أن تبرعنا لها بالمليارات! أما ما شاهدناه أخيراً من اعتذار الحريري الأسبوع الماضي عن تشكيل الحكومة فقد أدى لمزيد من التفكك وسقوط حر جعل سعر الصرف يصل إلى 23 ألف ليرة للدولار فأفقد العملة قيمتها.
فنحن في بيئة سياسية واقتصادية تفوق مثيلاتها العربية، ورغم ذلك فإننا نواجه حالة من عدم التوازن الإقليمي مع تغير الإدارة الأميركية وسياستها شبه الحليفة لإيران، وانسحابها الأخير من أفغانستان الذي لم تعره شعوب الخليج أي انتباه رغم خطورته، لتأتي أهمية وحدة الصف الخليجي في هذه المرحلة لما لدينا من مقومات ومصير مشترك أدى للتوافق الأخير بين السعودية والإمارات في «أوبك+»، فشكراً للأمير محمد بن سلمان ولمن يصادف اليوم عيد ميلاده الثاني والسبعين، الشيخ محمد بن راشد، لهذه الانفراجة الخليجية التي تبقي الإخاء متأصلاً بوحدة خليجية لمواجهة إيران وبعيداً عن لبنان.
فوجئنا ونحن نركن بجوار محكمة الفروانية بإغلاق مواقف ذكية ضخمة كلفت الملايين كي تخدم 2200 سيارة، لتذهب الملايين هباء وتركن السيارات بعضها فوق بعض بالساحات والأرصفة، فهل فشل المشروع بعد توزيع العمولات أم بصق الزمن في وجه الويلات أو في وجه «أبو الحصاني» كما قال الراحل عبدالحسين عبرالرضا الذي يصادف اليوم ذكرى مولده عام 1939؟!
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.