أحمد الجارالله : أفغانستان … بحر من النار
عندما فتح المسلمون خراسان(أفغانستان حالياً) سنة 624 ميلادية قال الخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه): “لوددتُ أني لم أكن بعثتُ إلى خراسان جنداً، ولوددتُ أنه كان بيننا وبينها بحرٌ من النار”، وصدق عمر، إذ بعد المعارك الشرسة التي واجهها المسلمون في تلك الديار، ورغم دخول أهلها الإسلام، لم تستقر أحوال البلاد، فما إن تنتهي أزمة حتى تولد أخرى أكثر منها تعقيداً.
على مر التاريخ هذه المنطقة التي يطلق عليها بعض الجغرافيين “دوار آسيا الوسطى” لما تمثله من عقدة ستراتيجية في طريق الحرير القديمة كانت دائماً تنتهي إلى العزلة، وفي أحيان كثيرة يترك أهلها يقاتلون بعضهم بعضاً فيما تقف الجيوش على التخوم تراقب الوضع، ولا تتدخل.
يبدو المشهد حالياً أشبه بما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إذ إن غالبية الدول المجاورة، وحتى تلك البعيدة عنها تود أن يكون هناك بحر من نار يفصلها عن هذه الدولة التي وقعت مجدداً في فخ الصراع القبلي التي بدأت نذره تنبعث من بين رماد سيطرة “طالبان” ذات الأكثرية البشتونية على البلاد، فيما تتهيأ الأقليات الأخرى للمقاومة.
استناداً إلى هذه الحقيقة ينظر العالم بعين الريبة إلى تطمينات قادة الحركة المتطرفة في ما يتعلق بعلاقات حسن الجوار، وحماية الأقليات الأخرى، فيما يسيطر القلق على المجتمع الدولي من عودة كابول حاضنة للحركات الإرهابية التي حيد معظمها، وقضي على كثير من قادتها، وجففت منابع تمويلها.
لا شك أن أي خروج على المنظومة الجديدة التي تأسست بعد 11 سبتمبر عام 2001، وترسخت طوال 20 عاماً سيواجه بقوة أكبر بكثير من السابق، وفي الوقت نفسه سيجعل من أفغانستان دولة تحت الحجر السياسي والاقتصادي، ليس بمقدورها المواءمة بين المتطلبات اليومية لشعبها ورعاية ودعم الإرهاب، أو العودة إلى مجاهل التاريخ وفكر الظلامية الذي مارسته بين عامي 1996 و 2001، وهو سلوك لم يقره الإسلام في الحروب والفتوحات، بل كرّس الوسطية والدعوة الى الكلمة السواء.
بات واضحاً أن “طالبان” تواجه حالياً تحديات عدة، فهي عليها أولاً حماية المدنيين، وعدم عرقلة إجلاء الأجانب، لذلك حين تعلن أنها ستغلق مطار كابول بالقوة في حال تأخر انسحاب القوات الأجنبية، ففي ذلك تهديد مبطن، وإعلان حرب على العالم في وقت بدأت الأصوات تتعالى، داخلياً وخارجياً، رفضاً للممارسات القمعية والإرهابية في بعض الأقاليم، كما قال القائم بأعمال الرئيس الأفغاني أمر الله صالح، إن: “أعضاء الحركة يمنعون إدخال المواد الغذائية والوقود إلى وادي أنداراب، والوضع الإنساني هناك رهيب، بعد قيام طالبان خلال اليومين الماضيين باختطاف أطفال ومسنين لاستخدامهم كدروع بشرية”.
هذه التطورات دعت، حتى الدول التي اعتبرت صديقة لـ”طالبان”، مثل الصين وروسيا، إلى إصدار تحذيرات حادة النبرة مما ينتظر الحركة في حال استمرت بهذا السلوك، لذا فإما أن تتغير كلياً وإما سيتعامل معها العالم كما إيران وكوريا الشمالية، وسيكون هناك بحر من النار حولها.