د.عبدالله الغذامي : غزوة الحمقى أم غزوة الحكماء
«منصات مثل تويتر وفيسبوك وواتساب أصبحت تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن، فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل».
هذا تصريح كان أمبرتو إيكو قد أطلقه في صحيفة إيطالية فور بروز ظاهرة الوسائل الاجتماعية المفتوحة على الفضاءات العامة كلها، ولا شك أن الجميع دخلوا بلا استثناءات ولا قيود، ولا شك أيضاً أن «تويتر»، هي بمثابة الكاشفة المكشوفة، تكشف من دخل إليها وتجعله في بيت زجاجي مكشوف للعالم، ومن ثم سقطت كل الحصون والقلاع الحامية لساكنيها، والتي كانت فيما مضى تحمي أهلها من تلصص العيون والآذان، وأصبح العالم كله على كف شاشة، وهي العفريت الجديد الذي أمسك بخيوط اللعبة، وفي المقابل، فإن من يزعمون لأنفسهم الحكمة قد وجدوا أنفسهم منساقين لعالم «تويتر»، وغيرها من الوسائل التواصلية، وأصبح الخطاب المعرفي والسياسي والشعبوي في تجاور لحظوي لا يتميز فيه حكيم عن أحمق، بل أصبحت الحكمة والحماقة معاً معنيين مشتركين بين الكل، وتهشمت الطبقية بين الحكمة والحماقة، وبمجرد سياحة صغيرة بين حسابات «تويتر» سنرى الكاشفة المكشوفة تفضح الصيغ الانفعالية، كما تنشر الصيغ الحكيمة، وتكشف أن الشخص نفسه يمر بحالات حماقة مع كونه حكيماً فيما يظنه بنفسه، وما يتوسمه الناس فيه، وكم مرة تورط فيها عاقل وجرجرته حماقة ما لم يك يعهدها في نفسه، مما يعني أن البلهاء والحكماء ليسوا قيمة تصنيفية أو فئوية، وإنما هم ردود فعل ليس أكثر، ولا أرى لها من تحليل دقيق أدق من قول الشريف الرضي:
Volume 0% وللحلم أوقات وللجهل مثلها / ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب
وكلنا على تلك الشاكلة ولن نكون حكماء أو حمقى إلا بمقدار ما يغلب علينا، وحكم الناس علينا لن يكون تصنيفاً علمياً، وإنما هو تصنيف ظرفي، بمعنى أننا حكماء إذا غلب على أوقاتنا الحلم وسيظننا غيرنا حكماء، أما إذا زادت مناسبات الحمق فينا، فستكتبنا ذاكرة الجماهير حمقى، والذي فعلته «تويتر»، هو أنها وضعتنا في امتحان لحظوي مكشوف ترصد فيه عيون البشر حال أمزجتنا اعتلالاً أو صحةً، وبين لحظة وأخرى تتكشف الحكمة أو الحماقة.