أحمد الجارالله: وزير خارجية قطر في الإمارات أسقط رهانات الغربان
كانت قمَّة العلا في مطلع العام الحالي منعطفاً مُهماً في مسار “مجلس التعاون”، إذ تأكدت فيها صلابة وشائج القُربى والتلاحم المصيري، لذا فكلُّ اللقاءات التي جرت بعدها صبَّت في هذا الاتجاه، ومنها زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن، أخيراً، إلى أبوظبي، واجتماعه مع الشيخ محمد بن زايد لتزيل كل الأوهام التي علَّقها البعض على تعثُّر المُصالحة التي شهدتها القمة الـ41 لقادة المجلس.
طوال عقود راهن الغربان في الإقليم على تفتيت المنظومة الخليجية، وبعد العام 2001 بدأت سهام الغدر تُوجَّهُ إلى هذه المجموعة، على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر ذاك العام، ومعها دسائس تحميل مسؤولية تلك الأحداث إلى بعض دول الخليج، وكانت غربان “الإخوان المسلمين”، وهمج ملالي إيران، تسعى جاهدة الى ضرب الإسفين تلو الأخرى في ذلك الجدار الصلب، حتى بدأت موجة ما سُمِّي زوراً “الربيع العربي” في العام 2011، حين سقطت الأقنعة عن الوجوه الكالحة المُتآمرة على وحدة الخليج، وحاول بعض المسؤولين الانتهازيين نقل الفوضى إلى دول المجلس، غير أنها تصدَّت لذلك المُخطط بعزيمة قوية.
لا شكَّ أنَّ تلك المرحلة تركت ذيولها على العلاقات بين الأشقاء، غير أن الجهد الذي بذله أمير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد، والإجراءات الحاسمة التي اتخذها ساعدت على تبديد الغيوم التي تلبَّدت لنحو خمس سنوات في سماء “مجلس التعاون”، وكانت الكويت بقيادة المغفور له الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، بادرت إلى رأب الصدع من اللحظات الأولى، حتى توجت في مباركتها من صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد في قمة العلا، لتطوى تلك الصفحة إلى الأبد.
لكلِّ دولة في “مجلس التعاون” دورها خليجياً، وإقليمياً، ودولياً، وبالتالي لا يمكن لواحدة منها أن تنجح من دون الأخريات؛ لأنها أشبه بالأوركسترا، وأي عزف خارج النص يكون نشازاً، لذا فإنَّ التكامل السعودي- الإماراتي- القطري، ركنٌ أساسيٌّ في المرحلة الحساسة، التي يمرُّ بها الإقليم، لما لهذه الدول من قدرات كبيرة، أكان جغرافياً، السعودية والإمارات، أو مالياً واقتصادياً الدول الثلاث.
في هذه الدول قادة شباب، أكان الشيخ تميم بن حمد، أو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي ينفذ رؤية الملك سلمان بأمانة لتطوير المملكة الكبيرة، ولقد قلب الطاولة على كلِّ الذين حاولوا أخذ السعودية إلى الفوضى عَبْر حركة التطوير والانفتاح، التي جعلت المملكة تصل إلى هذا المستوى المُتقدم الذي يفتخر به كلُّ خليجي، بل عربي مُخلص.
أما في الإمارات، فإن الجهود التي يبذلها الشيخ محمد بن زايد القوي المتعاون إلى حد كبير مع الأشقاء الخليجيين، وبمُتابعة من نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد، كانت الداعم الأساسي إلى تطوير الرؤية المشتركة للعلاقات الخليجية- الخليجية.
مواقف الدول الثلاث، إضافة إلى الجهود الكويتية والعمانية في التصدي لمُحاولات زعزعة الأمن القومي الخليجي، ظهرت بوضوح في إفشال المُخطط الإيراني لتخريب البحرين، حيث تكاملت جهود ملكها وقيادتها مع الأشقاء وأعادت إليها استقرارها، كذلك ظهرت الحميميّة في وحدة المصير من خلال التعاطف الأخوي الكبير مع سلطنة عمان خلال مواجهة إعصار شاهين، الذي ضربها أخيراً.
هذا هو المعدن الصلب لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي لا يُمكن أن تُزعزعه أيُّ عاصفة، بل إنه السور المنيع، والداعم الأساسي للأشقاء العرب، ولنا في الموقف القطري من مصر بعد مصالحة قمة العلا خير مثال، فكما كانت زيارة محمد بن عبدالرحمن إلى أبوظبي نقطة مُضيئة، أيضاً كانت زيارته إلى مصر في مايو الماضي إشارة واضحة، ولها دلالاتٌ كبيرةٌ على عودة التضامن العربي لما كان عليه.