أحمد الجارالله : الانتخابات العراقية تُنهي عصر الظلام الإيراني
لا شكَّ أنَّ الانتخابات العراقية الأخيرة كانت الامتحان الصعب لكلِّ القوى السياسية، لا سيما عملاء إيران، الذين حاولوا منذ البداية منعها، غير أنهم اصطدموا بإصرار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على إجرائها؛ للخروج من النفق، الذي أوصلت الميليشيات الطائفية العراقيين إليه بعدما لمست في الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ نحو عامين رفضاً كبيراً لهيمنتها على مفاصل السلطة منذ العام 2003 بغطاء إيراني- أميركي مشترك، تقاطعت فيه مصلحة الفريقين في محطات ما، وتضاربت في أخرى، ما دفع بالعراق إلى الوضع السيئ غير المُحتمل، معيشياً وأمنياً.
لا شكَّ أنَّ الكاظمي مشى طوال ولايته في رئاسة الوزراء بحقل ألغام ما منعه من تحقيق كلِّ العهود التي قطعها أمام شعبه، لكنه في الوقت نفسه حقق الكثير مما يُمكن البناء عليه، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة بلاده إلى الحضن العربي، وتقليم أظافر إيران تمهيداً لتحجيم دورها.
تراجع قوة النفوذ الملالوي لم يقف عند حدود العراق، فهو أيضاً مُني بانتكاسة كبيرة في سورية، أما في اليمن فبات على مشارف الاحتضار، وليست رسائل التودد التي يُرسلها وزير خارجية طهران الجديد حسين عبداللهيان إلى دول الخليج العربية، إلا محاولات لإنعاش عصابته الحوثية المرفوضة شعبياً، وإقليمياً، بل دولياً أيضاً.
المشهد الذي توضحت معالمُهُ بالكامل في العراق يبدو أنه سيتكرر في لبنان حيث يُحاول “حزب الله” وزعيمُهُ حسن نصرالله الهروب من مواجهة حقيقة تورُّطه في انفجار مرفأ بيروت، أفظع كارثة شهدتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، عبر السعي إلى رشوة المواطنين بديزل مهرب من إيران، في محاولة لتحسين وضعه الانتخابي في الانتخابات التي ستُجرى بعد ستة أشهر، وبعد الأزمة الخانقة التي تسبَّب بها .
ربما كان على نظام الملالي التمعُّن جيداً في ما آلت إليه الأحداث التخريبية التي افتعلتها عصاباته في البحرين خلال فورة ما سُمّي “الربيع العربي” وانتهت إلى اندحار مشروع هيمنته على المملكة، تنفيذاً لمطامع تاريخية موروثة منذ عهد الشاه الراحل، وإداركه أن شعوب المنطقة، حتى أولئك المنتمين إلى المذهب الشيعي منها لن تقبل بسيطرة غزاة يحملون أفكاراً انتقامية عمرها آلاف السنين، ولا تنطلي عليهم أكاذيب المظلومية التي تستر بها نظام طهران لتسويق مشروع ما سُمّي “تصدير الثورة”.
انطلاقاً من هذه المُعطيات كانت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة الرسالة الأكثر وضوحاً لرفض التدخلات الإيرانية في الإقليم، وتصميماً على قطع يد الإرهاب الفارسي في العراق، الذي يعتبر الشريان الحيوي، مذهبياً، لتغذية التدخلات الملالوية تحت عناوين تمكين الشعوب من تقرير مصيرها، فيما الحقيقة أن النظام ذاته لديه مشكلة كبيرة مع غالبية شعبه من حيث استمراره بالقمع المُمنهج لمنع أي تحوُّل ديمقراطي حقيقي يُنهي عصر الظلام المُخيِّم على إيران منذ 42 عاماً.