أحمد الجارالله: مرحباً بالمَعْفيِّ عنهم مواطنين وليس قادة كما يتوهمون
لأننا نعرف كيف يفكرون، ولأنَّ “أبو طبيع ما يجوز من طبعه”، قلنا أمس “لا تفرحين بالعرس ترى الطلاق باكر”، إذ لم يكد يجف حبر بيانهم بشأن التعاون بين السلطتين على خلفية العفو العام، حتى اختلف النواب بين بعضهم بعضاً، وبدأ همزُهم ولمزُهم، وراحوا يُسرِّبون الاتصالات التي جرت بينهم؛ لأن هدفهم من الأساس ليس العودة إلى جادة الصواب، وإخراج البلد من أزمته، التي افتعلوها بسبق إصرار وترصد، وكأن العفو عن بضعة هاربين إلى تركيا لم يكن إلا السلعة الأكثر مبيعاً لهم، لذا بدأوا منذ، أمس، إطلاق النار على المُبادرة الكريمة من صاحب السمو الأمير؛ لإعادة ترتيب البيت الكويتي.
استناداً إلى هذه الحقيقة فإنَّ التعطيل سيبقى حتى يصل هؤلاء لمُرادهم، لهذا لا يعنيهم إقرار القوانين، وتعديل المُتخلف منها، أما الحال المالية والاقتصادية للبلاد، فهي بالنسبة لهم إمساك الدولة والشعب من اليد التي توجعهما، فإما يأخذون ما يريدون، وقد أعلنوا ذلك مباشرة بعد إعلان مبادرة صاحب السمو الأمير، وهو ما أسموه “الحكومة البرلمانية”، وإما تستمرُّ ألاعيبهم.
هنا ليتخيَّل الكويتيون ماذا سيحصل في البلاد حين تصبح المؤسسات مُخيمات انتخابية، ويصبح الممر الإلزامي لنيل حقوقهم الطبيعية، هذا المفتاح الانتخابي، وذاك القريب من الوزير- النائب.
استناداً إلى هذه الحقيقة نتذكر بيت شعر لأبي الطيب المتنبي:
“إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ”
إذ مع فارق التشبيه بينهم وبين الليوث، إلا أن الشطر الثاني من البيت ينطبق عليهم، فهؤلاء حين ابتسموا كانوا يُكشرون عن أنيابهم، ويقولون للكويتيين بوضوح إنهم كسبوا جولة في معركتهم المستمرة حتى الوصول إلى هدفهم النهائي.
هنا على الجميع أن يتذكر ماذا فعل هؤلاء طوال العقود الثلاثة الماضية، ولست أتحدث عن أشخاص، بل عن نهج، بدأوه بإقفال البلاد بسلسلة قوانين، منها منع الاختلاط الذي يكلف ميزانية الدولة 150 مليون دينار سنوياً، مروراً بتشريعات جعلت الكويت في نظر العالم دولة شبه عنصرية، وصولاً إلى شل البلاد بالكامل.
طوال السنوات الماضية بذلوا أقصى الجهد لتعطيل كل المشاريع التي لا يُمكنهم الاستحواذ عليها، ومنها حقول الشمال حين وجدوا أن لا حصة لهم فيها، وكذلك مشروع “الداو”، الذي قال أحدهم إنه لن يمرَّ إلا على جثتي، وكبَّد الدولة غرامة 2.5 مليار دولار، فيما لم يرف له جفن.
نعود إلى تكرار السؤال: هل العفو يفيد المواطن، ومن خلاله يقر قانون الدين العام، ويتحسن تصنيف الكويت السيادي، وتعدل القوانين المُجحفة والمُتخلفة والعنصرية، أم أن ذلك سيزيد من رصيد بعض النواب، ويحفظ ما تبقى من ماء لوجه مجلس الوزراء الذي لا يعرف كيف يمارس دوره لذا “بغاها طرب وصارت نشب؟”.
نعم، مرحباً بالمعفي عنهم، كمواطنين، وليس كما يتوهم بعضهم أن تلك الاحتفالات تجعلهم قادة عائدين من معركة حققوا فيها النصر، فالعودة حق لكلِّ كويتي مكفول دستورياً، لكن نقولها بصراحة، في هذه الهمروجة ثمة اثنان خاسران، هما الموجودون في تركيا ولندن، والمواطن الكويتي، فهؤلاء النواب الذين عطلوا البلاد طوال الأشهر الماضية، ومارسوا أعتى أساليب الكيد السياسي، استغلوا هذه المبادرة الكريمة من أمير كريم؛ كي يراكموا فوائدهم السياسية، لكن حين شعروا أن الأمر بالغ الجدية، وسيكون وفق القانون والتقاليد والأعراف انقلبوا على أنفسهم، وطلعت عليهم الشمس وهم يتقاسمون الغنيمة.
قيل قديماً: “اسأل مجرب ولا تسأل طبيب”، فكيف إذا كان المجرب هو الشعب الذي خضع لكلِّ أنواع التجارب السيئة من هؤلاء النواب وأمثالهم، فيما كانت الحكومات المُتعاقبة، والحالية معها ينطبق عليها المثل: “قال عندك تاكل؟ قال: لأ. قال: عندك تغرم؟ قال: إي؟”، واللبيب بالإشارة يفهمُ.