أحمد الجارالله : من بغداد إلى بيروت هزيمة طهران مجلجلة
تزكية مجلس الأمن الدولي لنتائج الانتخابات العراقية الأخيرة كانت الضربة القاضية لمعسكر الميليشيات العميلة لإيران، ولذا لم تعد تنفع مطالبات هذا المعسكر بالفرز اليدوي، أو إعادة الانتخابات في موعدها الأصلي عام 2022، بل يحاول هؤلاء اليوم إثبات قدرتهم على زعزعة السلم الأهلي تحت شعار” نكون الأقوى أو لا دولة”.
الضغوط التي تمارسها هذه العصابات لن تغير في الواقع الذي أثبت فيه العراقيون أنهم ضجروا من الفساد والاهتراء في المؤسسات وانقياد الطبقة السياسية لإيران، بينما الشعارات المذهبية التي كانت تشكل قوة جذب قد سقطت مع انتفاضة تشرين الاول( أكتوبر) عام 2019، وترجم ذلك في صناديق الاقتراع في العاشر من الشهر الجاري.
مهما كانت المواقف المعلنة لهذه القوى، ومن يتبعها في الشارع، فإن النتيجة تبقى هي التأكيد على أن التغيير لن يقف عند حدود بغداد، وأن أكذوبة سيطرة طهران على أربع عواصم عربية قد انكشفت، وظهر جلياً مدى ضعف هذا المحور الذي يتكبد يومياً الخسائر السياسية، قبل العسكرية، وذلك بعد أن أقفل العراقيون الأبواب بوجه إيران، وهو ما يمثل قطع الأوكسجين عن بقية أعضاء المحور الذين هم أيضاً يحاولون التشبث بخشبة الهيمنة، ولو بالقوة في الدول التي لهم فيها وجود.
الهزيمة الإيرانية عراقياً جعلت مجانين “حزب الله” اللبناني يخرجون عن طورهم لذا أقدموا مع سبق الإصرار والترصد على رفع سقف عرقلة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت إلى أقصاه، وعلى خط مواز عمدوا إلى افتعال الأحداث الدموية في منطقة الطيونة، ذات الحساسية لما لها في ذاكرة اللبنانيين من أثر مؤلم طوال الحرب الأهلية، وذلك في محاولة منهم لإيهام الأطراف الأخرى أن هذه العصابة قادرة على أخذ البلاد إلى الحرب الأهلية في حال لم تنل ما تريد، فيما تعمل على خط آخر لتطيير الانتخابات البرلمانية التي ستجري في مارس المقبل، كي لا تفقد هيمنتها على المؤسسات الدستورية.
أما في العاصمة الثالثة، أي صنعاء، فقد مُنيت إيران بسلسلة من الهزائم بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها جبهة مأرب، وتكبد الحوثي المزيد من الخسائر الكبيرة، ما يعني تأكيد فشل مخطط تفريس شبه الجزيرة العربية، والإطباق على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة لتوظيفها في المشروع الأمبراطوري التوسعي.
وفي سورية، وبعد الضربات المؤلمة التي تلقاها الحرس الثوري من إسرائيل، وعجزه عن الرد عليها، إضافة إلى تزايد النقمة الشعبية السورية عليه وعلى العصابات الطائفية التابعة له، وبدء دمشق ترميم علاقاتها مع العواصم العربية، إضافة إلى منح موسكو الضوء الأخضر لتل أبيب بحرية العمل في الأجواء السورية، وهو ترجمة للتحول في الموقف الروسي من الوجود الإيراني في سورية.
كل هذا وضع طهران على شفير الهاوية الستراتيجية إقليمياً، يضاف إلى كل ذلك الموقف الأميركي والأوروبي المتشدد من عودتها إلى طاولة مفاوضات فيينا، التي إما أن تقبل بها كما هي، أو أن تعود إلى مواجهة عقوبات أقسى من السابق.
هذه التطورات الإقليمية والدولية تقابلها احتجاجات مستمرة في الداخل الإيراني، وتزايد النقمة على النظام الذي تسبب بأكبر كارثة اقتصادية ومعيشية وصحية لشعبه، وعزله دولياً، ما يعني أن نهاية هذا الكابوس المذهبي التوسعي الذي أقلق العالم طوال 42 عاماً قد أصبحت وشيكة.