أحمد الجارالله : قوة عربية ـ دولية لإنقاذ لبنان
ليست المشكلة في لبنان وجود 19 طائفة، لكل منها قانون أحوال شخصية ومرجعيات، إنما معضلته الكبرى احتكار تيار حزبي سياسي أمر طائفة وسعيه إلى توظيف ذلك للهيمنة على بلد شديد الحساسية بتوازناته المذهبية والسياسية الهشة، التي سرعان ما تتحول عسكرة للطوائف المرتبطة بمرجعيات دينية خارجية، ولها علاقات مع دول متقاتلة، ما يؤدي إلى نقل مشكلات تلك الدول إلى الداخل اللبناني، ويجعل الصراع أكثر تعقيداً.
في العام 1975، عندما اختلت التوازنات كان المفترض أن يجري العلاج من داخل النظام الديمقراطي إلا أن ذلك لم يحدث، اللبنانيون لم يستفيدوا من تجربة العام 1958 وبروفة الحرب الأهلية عندما حاولت “المارونية السياسية” أخذهم إلى حلف بغداد على عكس رغبة القوى السياسية الأخرى، فيما في ستينات القرن الماضي حاولت “السنية السياسية” أيضاً أخذهم إلى الناصرية فكانت تلك بداية المناوشات الأمنية التي انتهت إلى حرب أهلية.
حينذاك لم تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي خشية أن تطالها شرارة الحرب، عاجلاً أم آجلاً، ولذلك كان لا بد من تدخل عسكري، وهو ما انتهت إليه قمة الرياض عام 1976 بإرسال “قوات الردع العربية”، التي كانت غالبيتها من الجيش السوري، مطعمة بتشكيلات رمزية عربية.
صحيح أن ذلك التدخل أدى إلى هدنة نحو سنتين، لكن في العام 1979 برز تطور مهم وهو نجاح ثورة الخميني التي أراد نظام الملالي أن تتحول مشروعاً توسعياً، وقد وجدت طهران في لبنان المنهك بحروبه مقصدها عبر تشكيل جماعة شيعية مسلحة، لتدخل منذ ذلك الوقت “الشيعية السياسية” في المعادلة وتتقدم متقاسمي السلطة مع البقية استناداً إلى القوة العددية، وهنا ربما من المفيد العودة إلى كلام المفكر اللبناني العروبي منح الصلح، وهو نتيجة لقراءة واقعية للبنان إذ قال: “ليس مهماً وجود 19 طائفة، إنما الخطر الحقيقي هو في هيمنة واحدة منها على البقية”.
هذه الهيمنة برزت مع استقواء “حزب الله” بالسلاح وتوظيفه الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في العام 2000، للسيطرة على الدولة وتنفيذ مشروعه الستراتيجي القاضي بإقامة جمهورية لبنان الإسلامية على غرار جمهورية إيران الإسلامية، وهو الهدف الرئيسي الذي أعلنه في العام 1982 بوثيقته السياسية.
لا شك أن الأحداث التي شهدها لبنان في السنوات الخمس عشرة الماضية، أي بعد اغتيال الحزب للشهيد رفيق الحريري، ورفاقه، كانت المقدمات الطبيعية لوضع يده على البلاد، أكان عبر تهديد اللبنانيين بسلاحه، أو ترعيب السياسيين بالاغتيال، في ظل غياب قرار سياسي كبير يغطي الجيش اللبناني للوقوف بوجهه، وعدم وجود داعم سياسي إقليمي كدمشق، حين كانت لها اليد الطولى في ترميم التوازنات الداخلية اللبنانية، بمباركة عربية.
للأسف لم تكتمل فرحة اللبنانيين بانسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، إذ سرعان ما ملأ حزب الشيطان ونظام الغرور الطاووسي الفارسي الفراغ الامني وجعل لبنان منصة إرهابية تخاصم الدول العربية وتصدر إليها مؤامرات التخريب والمخدرات والدعوة الى التشيع.
هذه الحقيقة تفرض على العرب المهتمين بالشأن اللبناني التوجه إلى تشكيل قوة عربية – دولية قادرة على القضاء على هذه العصابة الطائفية العميلة التي لن تتراجع عن مخططها التوسعي إلا إذا مُنيت بهزيمة كبرى، وتفكيك هذا الحزب الإرهابي، أما بغير ذلك فسيبقى لبنان مصدراً للقلق السياسي والأمني للعالم العربي.