أحمد الجارالله : المافيا اللبنانية تستولي على الودائع الخليجية
ليست وديعة مؤسسة التأمينات الكويتية في “فرانسبنك” إلا رأس جبل الجليد الذي كشفه تقرير ديوان المحاسبة، فيما ودائع الأفراد والمؤسسات الخليجية في المصارف اللبنانية مهددة بالضياع بعد عملية السطو الموصوفة التي نفذتها تلك البنوك برعاية مافيا سياسية ومالية لم تترك شيئاً إلا ووضعت يدها عليه، حتى انها نهبت المساعدات الغذائية من الخارج للمحتاجين والفقراء.
هنا لا بد من السؤال: لماذا لم تتحرك الحكومات الخليجية منذ سنوات، حين بدأت الأخبار تتوالى عن سوء الوضع الاقتصادي اللبناني، وإمكانية الحجز على الودائع، ألم تكن حكوماتنا تتوقع ممن سرق شعبه، ونهب خيرات بلده وهربها إلى الخارج أنه ليس أهلاً ليؤتمن على ودائع أجنبية، وهل كانت فعلاً تعتقد أن دعم الليرة بودائع في المصرف المركزي اللبناني لن تكون هي الأخرى في مهب التجميد تمهيداً لابتلاعها؟
منذ بدء الأزمة في لبنان قبل نحو ثلاث سنوات يطالب الخليجيون باسترداد أموالهم، فيما تتلكأ المصارف مستندة على تعميم البنك المركزي اللبناني بمنع تحويل عملات صعبة إلى الخارج، وهي لا تفصح عن أي إجراءات تطمئن المودعين غير اللبنانيين، لذا مخطئ من يتصور أن قضية الأموال الخليجية المودعة في البنوك اللبنانية ستعود عبر المطالبات الودية، أو الركون إلى إجراءات شكلية تتخذها تلك المؤسسات المالية، بل لا بد من إجراءات عقابية قاسية، خليجياً وعربيا ودولياً، فهي الطريق الوحيد لاستعادة ما نهبته تلك المافيا، بدءا من الملاحقات القضائية، وصولاً الى تجميد أموال تلك البنوك في الخليج والعالم.
لا شك أن حسم هذا الملف خصوصاً بعد ارتفاع درجة المخاطر، والحديث عن خسائر كبيرة سجلتها تلك البنوك في الأعوام الثلاثة الماضية، يتطلب العمل سريعاً حتى لا يفقد عشرات آلاف الخليجيين أموالهم وأملاكهم في هذا البلد الذي أصبح غابة تتحكم به مجموعة من اللصوص، بل إن هذا الأمر يدعو الى تغيير ذهنية الاستثمار في لبنان، في حال كان هناك حل للأزمة الخليجية- اللبنانية الحالية.
للأسف إن الود الخليجي والخوف على مصير الشعب اللبناني، والسعي الى مساعدته ماليا لدعم العملة الوطنية، قوبل بكل هذا الجحود، بل إن هؤلاء اللصوص استغلوا ذلك للمضاربة على ليرتهم، ودفع بلدهم إلى جهنم.
ربما يكون هذا الأمر درساً جديداً لمعرفة حقيقة الطبقة السياسية اللبنانية على اختلاف مشاربها التي لا تزال ترى نفسها أنها قادرة على تبسيط المشكلات بالكلام المعسول، وأن الخليجيين لا يزالون ينظرون الى لبنان كما كان عليه في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، وهم في هذا مخطئون، بل عميان بصيرة، لأنهم لم يراقبوا التطورات الثقافية الكبيرة في المجتمع الخليجي، الذي دخل العصر من أوسع أبوابه، ووصل إلى المساهمة بغزو الفضاء، فيما تتقاتل الشعوب اللبنانية على حصة هنا وحصة هناك وكأنها لا تزال في عهد داحس والغبراء.