أحمد الجارالله : العراقيون يحرقون حصان طروادة الإيراني
محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رسالة واضحة عما يمكن أن تصل إليه الأمور إذا لم ترضخ الدولة للابتزاز الذي تمارسه جماعات إيرانية الولاء والتمويل، والانصياع لرغبتها في نسف الانتخابات النيابية الأخيرة التي أظهرت الحجم الشعبي الحقيقي لتلك القوى، وهزيمتها النكراء بقوة أصوات المكون الذي كانت تعتبره حاضنتها الطبيعية استناداً إلى خطابها المذهبي، وتزويرها تمثيله في العقدين الماضيين.
لقد ربح العراق، بقيادة الكاظمي، هذا الامتحان الصعب، وأثبت العراقيون أن انتفاضة أكتوبر قبل نحو ثلاث سنوات قادرة على إسقاط القناع البشع الذي حاول الإيرانيون إلباسه لهذا البلد العربي الكبير عنوة، أكان بالتهديد والإرهاب والقتل والتخوين، أو الترغيب بالمال والنفوذ والوظائف، إلا أن ذلك سقط، وربما يكون إلى غير رجعة إذا عمل العرب، وبخاصة دول الخليج، على دعم الكاظمي الذي واجه منفرداً تلك الطغمة التي جعلت العراق مجرد حديقة خلفية لنظام الملالي يرمي فيه قاذوراته العنصرية والتوسعية، ويوظف دماء العراقيين في مشروعه.
وعلى مبدأ رب ضارة نافعة فإن ما حصل في اليومين الماضيين ربما يكون مناسبة لتنشيط ذاكرة العراقيين الذين يحتفلون هذا العام بالمئوية الأولى على تأسيس دولتهم التي بدأت تتشكل بعد ثورة العشرين وساهم فيها الشيعة ومرجعياتهم العربية بقوة، بل كانوا رأس الحربة فيها بمواجهة الإنكليز وحليفهم الفارسي الذي سعى حينها إلى وضع يده على الأماكن المقدسة الشيعية في النجف وكربلاء، ونقل المرجعية إلى قم، لكن التصدي الوطني، من السنة والشيعة، أفشل المشروع حينها.
طوال قرن من الزمن لم تشهد بلاد الرافدين تمييزاً طائفياً ومذهبياً، كالذي جرى في العقدين الماضيين، حين استطاع نظام الملالي أن يجعل بعض القوى السياسية حصان طروادة مذهبيا للتغلغل في هذه المنطقة الحساسة، ونجح لفترة مستغلاً الحرب الأهلية التي أوقد فتيلها تحت عنوان المظلومية الشيعية، وهو العنوان نفسه الذي حاول تسويقه في لبنان وبسط نفوذه عبر جماعة “حزب الله” الإرهابية.
رغم الدور الإيراني الموحد في بغداد وبيروت، يجري البعض مقارنة بين البلدين، متناسياً أن الأول يتشكل من أكثريتين كبيرتين، هما السنة والشيعة، مع أقليات صغيرة، فيما الثاني يتألف من 19 طائفة تشكل فسيفساء سياسية لا يمكن التحكم فيها إلا من خلال الاستقواء بقوة خارجية، وهو ما مثله ذلك الحزب الذي صادر قرار الطائفة الشيعية، وعمل على عزلها عن بقية الطوائف، وشل دورها في الحياة السياسية اللبنانية، مستغلاً نفوذه العسكري والأمني، فيما تراجعت مستويات الحكمة عند كثير من الذين نصّبوا أنفسهم قادة للطوائف، وانساقوا خلف لعبة المحاصصة بأبشع أشكالها، فأضعفوا الحس الوطني لمصلحة إثارة الغرائز المذهبية التي أوصلت لبنان الى بداية الزوال.
لا شك أن عودة العراق إلى الحضن العربي أسهل بكثير من عودة لبنان، ربما في المرحلة الحالية، وبالتالي فإن الوقوف خلف مصطفى الكاظمي ضرورة خليجية، قبل أن تكون عربية، لأن المطلوب حالياً قطع أذرع إيران في المنطقة، وأولها في بلاد ما بين النهرين حيث يحاول الفارسي الإبقاء عليها ممراً إلى بقية الدول العربيه