عبدالله الأيوبي : سوريا عائدة إلى حضنها الطبيعي
شكلت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية بدولة الإماراتية العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى العاصمة السورية دمشق والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، واحدة من أهم النقلات النوعية في العلاقات بين البلدين بعد أن أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق أواخر عام 2018. هذه الزيارة التي من شأنها أن تحدث ثقبا كبيرا في الجليد الذي لف علاقات الجمهورية العربية السورية مع العديد من الدول العربية بعد اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 وتطورها إلى حرب إرهابية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، استهدفت الدولة السورية أرضا وشعبا بمشاركة مختلف القوى الإقليمية والدولية حيث تحولت سوريا إلى واحدة من أخطر وأكبر الساحات التي تعج بشتى الجماعات الإرهابية وتفوقت بذلك على الساحتين العراقية والليبية.
لا شك في أن زيارة المسؤول الإماراتي الكبير إلى سوريا لها أكثر من بعد ثنائي، أي العلاقات بين البلدين، إذ تعطي مؤشرا على أن هناك تغيرا نوعيا في مواقف العديد من الدول العربية إزاء حقيقة الأوضاع في سوريا وما تعرض له البلد الشقيق من استهداف ذي أبعاد جيوسياسية خطيرة تتعدى في تأثيرها المساحة الجغرافية السورية والأمن الوطني لهذا البلد، فعلى مدى أكثر من أحد عشر عاما تعرضت سوريا لتدخلات خارجية مباشرة تتمثل في احتلال أجزاء كبيرة من الأرض السورية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وكلها أعمال غير مشروعة وتتنافى مع القانون الدولي وسيادة الدول.
فزيارة الوزير الإماراتي هي الزيارة الأولى لأكبر مسؤول إماراتي إلى دمشق منذ ما يربو على العشر سنوات وجاءت بعد اتصال هاتفي بين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس السوري بشار الأسد في العشرين من أكتوبر الماضي والذي سبقه قبل عدة أيام تلقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني اتصالا هاتفيًا من الرئيس السوري، الأمر الذي يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك، في أن هناك حلحلة حقيقية للعلاقات مع دمشق، ويعطي مؤشرا أيضا على أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومختلف المؤسسات القومية هي مجرد وقت لا أكثر.
فإبعاد سوريا عن محيطها العربي لم يلحق ضررا بدمشق وحدها، وإنما بالأمن القومي العربي وبالمصلحة العربية بشكل عام، ذلك أن ترك أي بلد عربي فريسة سهلة لأطماع قوى، إقليمية أو دولية، لن تكون نتائجه الكارثية محصورة في شأن هذه الدولة العربية أو تلك، بل إن التأثير السلبي والخطير لمثل هذا العمل تنسحب على العديد من الدول العربية، إن لم تكن جميعها، والعكس هو الصحيح، إذ لا يمكن فصل المصلحة الوطنية لأي دولة عربية عن المصلحة القومية بغض النظر عن مستوى العلاقات الثنائية بين هذه الدولة أو تلك، وقد أثبتت جميع التجارب ذلك ولنا عبرة فيما جرى للعراق الشقيق وما يجرى لسوريا وليبيا.
فسوريا وبعد أكثر من عشر سنوات من التدمير والتخريب والإرهاب المدعوم إقليميا ودوليا والذي تسبب في تشريد شعبها وإحداث خلخلة سكانية خطيرة كادت أن تشعل فتنة دموية ذات طابع عرقي وديني ومذهبي أيضا، بحاجة اليوم إلى حضنها العربي، والمسؤولية، بل والمصالح القومية تقتضي ذلك، كل ذلك يستدعي إعادة تقييم شامل من جانب مختلف الدول العربية فيما يتعلق بعلاقاتها مع سوريا، خاصة بعدما تكشفت الكثير من الحقائق والأهداف الشريرة لبعض القوى الإقليمية والدولية التي تقمصت الحقوق المشروعة للشعب السوري كبوابة عبور لتحقيق هذه الأهداف.
هذه القوى التي تضمر العداء لأي تقارب عربي مع سوريا وترى أن من شأن أي خطوة في اتجاه إعادة العلاقات العربية السورية إلى مجاريها الصحيحة، تشكل تعطيلا لهذه الأهداف الشريرة أو تخريبا لها، لذلك لم يكن مستغربا أن تلاقي زيارة الوزير الإماراتي إلى سوريا امتعاضا أمريكيا حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في مؤتمر صحفي «نحن قلقون لورود تقارير عن هذا الاجتماع والإشارة التي يبعث بها»، مشيرًا إلى أن «هذه الإدارة لن تبدي أي دعم لجهود تبذل من أجل تطبيع العلاقة مع بشار الأسد أو تعويمه».
من الطبيعي أن يكون هذا هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من أي تقارب عربي مع سوريا، لأن عودة سوريا إلى الحضن العربي يعني تعطيل أو فرملة أو حتى مشاغبة السياسة الأمريكية التدميرية تجاه هذا البلد العربي، فالولايات المتحدة التي تحتل أجزاء من الأراضي السورية في انتهاك صارخ للقوانين الدولية ولسيادة الدول الوطنية، عملت جاهدة مع العديد من القوى الإقليمية والدولية على تدمير الدولة السورية والدفع باتجاه تقسيم سوريا، عرقيا ومذهبيا، كما فعلت بالعراق حين نفذت غزوا مخالفا لجميع القوانين الدولية.