عبدالله بن بجاد العتيبي : الإمارات: خمسون عاماً وخمسون أملاً
خمسون عاماً مضت من عمر دولة الإمارات العربية المتحدة بمنجزاتها التاريخية الحافلة، وخمسون عاماً قادمةً بآمالها وتطلعاتها، وما بين ماضٍ يبعث على الفخر ومستقبل يحدو الإنجاز ثمة حاضرٌ مليءٌ بالتحديات والفرص، وهذا قدر الدول الناجحة والمتطلعة إلى أن تبقى دائماً برسم النجاح والأمل.
خمسون عاماً هي عمر اتحاد الإمارات كدولة حديثةٍ متحدةٍ شكلت نجاحاً استثنائياً وتاريخياً يختلف عن كل التجارب العربية المماثلة التي لم تستطع تحقيق الحلم والحفاظ على المنجز، وقد جمعت الاستقرار مع الاستمرار في الإنجاز، ولكن من المهم أن يستحضر الجميع أن هذا هو عمر «اتحاد» الدولة الحديثة. أما الإمارات وقياداتها التي هي مكوّن «الاتحاد»، فهي أقدم بمئات السنين، وأحداث التاريخ الموثقة وشخصياته المعروفة شاهدٌ على ذلك. وأما وجود الإنسان على أرض الإمارات فهو عريقٌ وضاربٌ بأطنابه في التاريخ البشري لآلاف السنين، تدل عليه المستحثات وعلم الحفريات والزمن الجيولوجي، وبعض الاكتشافات الحديثة في جزيرة «مروح» في أبوظبي وغيرها تتحدث عما يقارب 7500 عامٍ، ووجود الحياة والنبات والحيوانات يمتد لما يقارب 6 إلى 8 ملايين سنة في منطقة «ليوا»، وهذه نماذج للعلم ومعلوماته المفصلة.
حقائق التاريخ حاسمة ومعطيات العلم قاطعة، حيث لا اجتهاد ولا تزيّد، بل حقائق ومعطيات محايدة، غير أنها تثبت بما لا يدع مجالاً للشك عمق الحضارة والتاريخ والإنسان على هذه الأرض، وأنها من أقدم الاكتشافات البشرية، وليست بأي حالٍ من الأحوال ولا بأي معيارٍ علميٍ للقياس طارئةً أو جديدةٍ.
قبل أيامٍ احتفلت دولة الإمارات بخمسين عاماً من عمرها السياسي كدولة مدنية حديثةٍ، وهي مستعدةٌ بالكامل برؤية استراتيجيةٍ متكاملة للخمسين عاماً المقبلة من عمر الزمان، وهذا قدر الدول الحية المتطلعة للترقي الدائم في مدارج الكمال، أن تستحضر عراقة الماضي دون أن تغرق فيه وأن تواجه تحديات الحاضر وتستفيد من فرصه وأن تنشغل بالمستقبل وآماله وأحلامه وتطلعاته، وهذا غاية ما يمكن من سعي للكمال والرقي، والتقدم للإنسان، والمجتمعات، والشعوب.
على طول التاريخ وعرض الجغرافيا كانت قيمة الدول تقاس بمعايير متعددةٍ من أهمها قوتها وفاعليتها وتأثيرها، فلا هي بالحجم ولا البيئة ولا العدد، وفي التاريخ القديم وقفت بعض «مدن» اليونان في وجه الإمبراطورية الفارسية، وفي التاريخ الحديث وقفت اليابان أمام الصين، وفي حسابات الاقتصاد والقوة السياسية والعسكرية تقف نماذج مثل كوريا الجنوبية والإمارات كنماذج على هذا السياق.
قيمة الدول تكمن في وعيها بنفسها وتحديدها لهويتها، وتاريخ دولة الإمارات وواقعها يتحدث عن «مبادئ» أساسية من دعم «الاستقرار» و«التنمية» و«السلم» و«التواصل» على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وعن مفاهيم مؤسسة مثل «التعايش» و«التسامح»، كما أن قوة الدول قديماً وحديثاً تقاس -أيضاً- بتحالفاتها وخياراتها الاستراتيجية، وتحالفات دولة الإمارات إقليمياً ودولياً تتحدث عن «وعي متقدمٍ» في بناء الرؤية وإدارة الاستراتيجيات ومراكمة المنجزات في خططٍ منشورةٍ يمكن قراءتها وتحليلها لأي مهتمٍ حول العالم، وليس آخرها «المبادئ العشرة» المعلنة للخمسين عاماً القادمة، والتي من السهل لقارئها أن يعرف لماذا حدثت المنجزات؟ وكيف تمّ الحفاظ عليها؟ فيسهل عليه استشراف مستقبل هذه المبادئ في نصف قرنٍ من المستقبل.
أخيراً، فإنه كنموذج لهذه التحالفات يقف التحالف السعودي- الإماراتي الحالي شاهداً كبيراً على هذا السياق، و«مجلس التنسيق السعودي الإماراتي» بكل تشعباته وتفاصيله يقدّم نموذجاً يحتذى في كيفية بناء علاقات صحيةٍ وتحالفاتٍ عميقةٍ ومصالح مشتركة بين الدول، وهو أنقذ في عقد من الزمان دولاً مثل مصر واليمن وهو مضمخٌ بالدمّ ومعطرٌ بالفخر والإنجاز. وكل عامٍ والإمارات بخير وعزٍ وتمكين.