بدر خالد البحر: الفخ الأميركي لإسقاط أوروبا العجوز
عندما تقرأ ديباجة الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحده تجد أن أهم مقاصدها حفظ السلم والأمن الدوليين وقمع أعمال العدوان وفقاً لمبادئ العدل والقانون، التي يندرج تحتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكنك حين تسقط هذا الميثاق على الواقع تجد البون الشاسع مع ما هو مكتوب على الورق والذي تكشفه جرائم الدول العظمى المؤسسة لهيئة الأمم المتحدة، التي لا تعنى بالسلام بل بإعادة هيكلة هيمنة الاستعمار.
فبعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة صارت كل دولة من الخمس الدائمة العضوية تحكم بالعالم منفردة باستخدام حق النقض الفيتو! فأميركا قادرة على إطلاق حرب مدمرة لزعزعة أو قلب أنظمة الحكم كما فعلت بأفغانستان والعراق والصومال وتشيلي وفيتنام ونيكاراغوا، وكما دعمت الاحتلال والقمع الاسرائيلي في فلسطين، أما روسيا فقد دمرت الشيشان وسوريا.
وبعد كل هذه الجرائم واضطهاد وقتل وتشريد الأطفال والنساء والعجائز والشباب، لم نجد أن الامم المتحدة أو المجموعة الأوروبية أو أي دولة عظمى قد فرضت أي عقوبات أو حصار اقتصادي على أميركا وإسرائيل وروسيا!! بل وعلى العكس من ذلك فاليوم تمر الذكرى الثالثة والسبعون لقبول مجلس الأمن الدولي إسرائيل عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، بينما هي غاصبة محتلة غاشمة، مما يؤكد قناعتنا بأن هيئة الأمم المتحدة وقانونها الدولي ما هما إلا أكذوبة تتجرعها دول العالم الثالث!
إذاً فما السر الآن وراء الحراك الأميركي الاوروبي المضاد لروسيا في حربها مع أوكرانيا؟ لماذا الآن بالذات مع ان الحرب الروسية الاوكرانية مستمرة منذ ثماني سنوات، أي منذ 2014، بل وكانت أسوأ لأن روسيا قد احتلت آنذاك جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا!
ولماذا تفرض أميركا عقوبات على روسيا، وهي تبدو محقة لخوفها من إمكانية استخدام أوكرانيا لسلاح نووي ودخولها حلف الناتو، مع أن أميركا نفسها قد دمرت العراق في 2003 لاشتباه امتلاكه أسلحة دمار شامل اتضح لاحقاً أنها غير موجودة، مع أن العراق يبعد عن أميركا آلاف الأميال وعن إسرائيل آلاف الكيلومترات، في حين أن أوكرانيا لا تبعد عن موسكو سوى عشر المسافة التي يبعدها العراق عن أميركا وثلثي المسافة التي تبعدها عن إسرائيل!
إن ذلك يوصلنا إلى قناعة بأن أميركا وهي تضع المجموعة الاوروبية تحت جناحها فإنها تورطها في مواجهة مع روسيا المصدّر الرئيسي بما يزيد على %21 من حاجتها للغاز الطبيعي، والذي يتم نقله عبر الأراضي الأوكرانية، ومنها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق مع أوكرانيا إلى عام 2025، وهو ما يجعل أميركا تبدو الأضعف تجاه سيطرة روسيا على إمداد أوروبا من الطاقة، علاوة على قرب تشغيل خط أنابيب نقل الغاز الروسي لألمانيا عبر قاع بحر البلطيق والتعامل بينهما باليورو، مما يحد من قدرة أميركا على فرض العقوبات والتحكم في مصادر الطاقة بالدولار داخل نظام السويفت، وهي تواجه ارتفاع كلفة نقل غازها لأوروبا، الأمر الذي يجعل روسيا الأقوى في مجال الطاقة بتعاملها مع أرووبا والصين ودول المشرق.
وفي النهايه لا نجد بداً من استعادة سجل الولايات المتحدة الفاشل في زعزعة الأنظمة من غير تحقيق أهدافها، فقد فشلت بالعراق وسلمته لإيران، كما فشلت وهربت بعد مقتل عشرات الآلاف من جنودها في فيتنام، وكذلك في الصومال ولبنان التي قتل فيها 240 جنديا أميركيا في انفجار واحد، ليأتي الآن الدور على أوكرانيا التي أوهمتها بالدعم ثم تركتها تواجه الآلة العسكرية والنووية الروسية الطاحنة منفردة! فتكون بذلك قد صنعت منطقة صراع جديدة في أوروبا لتزعزع فيها علاقة المجموعة الأوروبية مع روسيا الممول الأكبر لها بالطاقة عبر الاراضي الأوكرانية، أي أن أميركا قد جعلت من أوكرانيا فخاً ستسقط فيه أوروبا العجوز بغباء، إذا لم تنتبه لخسارة مصالحها إذا ما تواجهت مع روسيا.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.