عبدالمنعم ابراهيم: الغرب فقدَ عقله.. عقوبات ضد الرياضة والإعلام.. و«ديستوفيسكي»!
حقا (الغرب) فقد صوابه، وصار يتناقض مع نفسه في تطبيق المعايير الأخلاقية بحق الآخرين.. فما هو محرم على الحكومات والشعوب الأخرى صار (حقا مشروعا) للحكومات الغربية وشعوبها! ولعل أول ميدان هو شعارهم في الغرب بعدم إقحام (الرياضة) في (السياسة)، وكانت الحكومات الغربية ومنظمة (الفيفا) الدولية لكرة القدم تعاقب أي رياضي عربي أو تركي أو إفريقي إذا ارتدى (تيشيرت) قميصا في الملعب يتعاطف به مع الشعب الفلسطيني أو شعوب أخرى مقهورة في العالم، بل تم معاقبة أندية رياضية بأكملها باللعب مباريات بلا جمهور حين يتلفظ أحد الجمهور بكلمات نابية أو عنصرية ضد السود أو لاعبين آسيويين.
الآن الغرب فقد عقله بزج السياسة في الرياضة، وحدث هذا قبل الحرب في أوكرانيا، وقبل العقوبات ضد روسيا، حين اتخذت أمريكا وبريطانيا وكندا قرارًا بالمقاطعة الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين، بل حرّضت الدول والشعوب الأخرى على مقاطعة الدورة الأولمبية احتجاجًا على الحكومة الصينية بسبب ادعاءات تتعلق بحقوق الإنسان!
والغرب فقد عقله بشكل صارخ بعد فرض العقوبات ضد روسيا بعد دخول قواتها إلى أوكرانيا، وتم اتخاذ عقوبات ومقاطعات لأندية رياضية في الغرب يملكها رجال أعمال روس، أو نزع ومنع ارتداء قمصان تحمل شعار شركة الغاز الروسية في أوروبا وبريطانيا! ومقاطعة اللعب مع أندية رياضية روسية! أو مقاطعة لاعبين روس في مختلف الألعاب الرياضية!
ولم يقتصر ذلك على المقاطعة الرياضية ضد روسيا، بل انتقل إلى الصحافة والإعلام حين أوقفت عمالقة التكنولوجيا مثل (أبل) و(مايكروسوفت) مبيعات منتجاتها في روسيا! وقالت شركة (كوجنت كوميونيكيشن) وهي شركة أمريكية تقدم خدمات الإنترنت يوم الجمعة الماضي إنها أنهت عقودها مع عملائها في روسيا! بل تتجه لمنع خدمات (نتفليكس) و(إنستجرام) في روسيا، وعدم بث أفلام هوليوودية في روسيا! بل قامت شركة (فيسبوك) الأمريكية بحجب وسائل إعلام روسية مثل قناة (آر.تي) وقناة (سبوتنيك) من البث في أوروبا! بحجة حجب الدعاية لصالح روسيا في حرب أوكرانيا! بينما قامت شركة (فيسبوك) بخدمة المظاهرات والاحتجاجات العنيفة فيما أسموه (الربيع العربي) عام 2011! كما خدمت المظاهرات ضد العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020، وبحسب وكالة (فرانس برس) خدم (فيسبوك) الأمريكي النشطاء والمنظمات غير الحكومية في العديد من بلاد العالم حول قضايا سياسية مختلفة، فكيف تنحاز حاليًا مع أوكرانيا ضد روسيا إعلاميًا، وتعاقب قنوات روسية وتحرم الناس من الاطلاع على كل وجهات النظر المختلفة حول الحرب في أوكرانيا؟!
لكن الهوس الأكبر الذي أصاب الغرب في معاقبة روسيا بعد حرب أوكرانيا تمثل في مقاطعة (الأدب الروسي)! حين تم منع محاضرة أو دورة ثقافية في أمريكا لأن المحاضر كان سيتحدث عن (ديستوفيسكي) أبي الأدب الواقعي في روسيا القيصرية قبل أن يعرف الروس (الاتحاد السوفيتي) عام 1917، وتمثل فقدان العقل في تصريح الإعلامية التلفزيونية الأمريكية (أوبرا وينفري) الشهيرة بأنها حذفت كتب الأديب الروسي (توليستوي) من مكتبتها! وأعتقد أن (أوبرا) لم تقرأ مؤلفات (توليستوي) الرائعة، وإنما كانت تضعها زينة للديكور فقط! ولو قرأتها لما قامت بحذفها لجمال وروعة ما كتبه هذا الأديب الروسي العالمي.. بينما في المقابل حين دمرت الترسانة العسكرية الأمريكية عام 2003 العراق واحتلت أراضيه وقتلت القوات الأمريكية الآلاف من الشعب العراقي آنذاك لم نجد صوتًا يرتفع بمقاطعة أعمال الأديب الأمريكي الرائع (أرنست هيمنجواي)!
حقا.. الغرب فقد عقله وكشفت حرب أوكرانيا الحالية ذلك الزيف الخادع الذي كان يدعيه (الغرب) بحرية التعبير والرأي، أو عدم إقحام الرياضة في السياسة، أو محاربة الفنون والآداب والموسيقى عقابًا للحكومات! ومن يدري فقد نسمع في الغرب قريبًا من يطالب بمقاطعة ومنع مشاهدة فرقة (البولشوي) الروسية لفن (الباليه)!