رأي في الحدث

فاروق يوسف: حرب على روسيا وشعب أوكرانيا هو الضحية

كانت شيوعية الاتحاد السوفييتي واحدا من أهم أسباب الحرب الباردة. لذلك فقد وصفت تلك الحرب في جانب منها بـ”العقائدية” وهو ما أدخل الولايات المتحدة في فوضى مطاردة الكتاب والمفكرين والفنانين ورجال الأعمال الذين يُعتقد أنهم ينتمون إلى الشيوعية أو يدافعون عنها. كانت الولايات المتحدة تحارب المد الشيوعي داخل أراضيها وخارجها.

أوكرانيا انتحرت على أعتاب الكرملين

ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وذهاب كل واحدة من جمهورياته في اتجاه لم تعد الشيوعية قائمة. ما بقي من الأحزاب الشيوعية في أوروبا والعالم غير اسمه من أجل أن لا يكون في الواجهة وتحل به اللعنة الأميركية ومن أجل أن لا يكون نصيبه من الشك أكبر من سواه في مواجهة الرأسمالية المتوحشة. ولم تحتفظ روسيا بشيء من الشيوعية باستثناء ضريح لينين وصحيفة البرافدا.

انتهت الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفييتي واختفاء الشيوعية من أوروبا كما لو أنها لم تكن وانتصار عقيدة السوق. وما أظن روسيا قد تأخرت عن اللحاق بالعصر الذي يمكن أن يجمعها بشقيقاتها الأوروبيات. كان مريحا بالنسبة إلى الغرب لو أن روسيا هي التي اختفت مع الشيوعية. وروسيا يمكن أن تختفي حين تتحول إلى بلد مافيات وتعمها الفوضى. ولكن ذلك سيحيل الحياة في أوروبا إلى جحيم لا يمكن العيش فيه. روسيا دولة كبيرة، سريعة الحركة غزيرة الأحداث. وبما أن ما يقع في روسيا يؤثر على أوروبا فقد كان لزاما أن تستقر روسيا. واستقرار روسيا لن تدفع الولايات المتحدة كلفته. بل أنه ليس مكلفا. استقرار روسيا يخفف من عبء التسلح في أوروبا. إنه يفتح أمام أوروبا آفاقا تطل من خلالها على مستقبل خال من النزاعات. وهو ما يطمح الاتحاد الأوروبي إليه وما كان سببا رئيسا لتأسيسه.

لو أن روسيا عوملت بطريقة عقلانية لكانت اليوم عضوا في الاتحاد الأوروبي. لمَ لا؟ جزء كبير منها يقع في قارة آسيا، ولكنها أوروبية عقلا وقلبا بالرغم من أن الروح الروسية تظل أغنى الأرواح في أوروبا. وإذا ما كان هناك من سبب لقبول روسيا عضوا في الاتحاد الأوروبي فإنه يكمن في احترام الروح الروسية. تلك الروح المتمردة، الثائرة، الفجائعية والمستفهمة. روسيا العميقة في ما تقوله وتفعله. وإذا ما كانت قد مرت بسنوات خفة حين تحررها من الشيوعية فذلك لا يعني أن تلك الخفة ستكون مصيرها.

كان من المتوقع أن ترحب أوروبا ببوتين لأنه أعاد من خلال كدح يومي روسيا إلى ثقتها بنفسها. أعادها إلى مسؤوليتها في عالم متعدد الأقطاب لا تستفرد به الولايات المتحدة قطبا وحيدا. لست هنا مهتما بما يعنيه بوتين بالنسبة إلى الروس، غير أنني أعتقد أن وجوده يعني الكثير بالنسبة إلى أوروبا التي تبحث عن استقرارها والتي يجب ألّا ترى في روسيا عدوا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

بمساحتها تشكل روسيا قارة مقابلة لأوروبا غير أن ذلك لم يغرر بها لتقع في فخ الخصومة العبثية. لقد أثبت بوتين خلال سنيّ حكمه أنه رجل دولة مسؤول. يتحرك في الداخل كما في الخارج بالعزيمة نفسها. فروسيا ليست بلدا تسهل قيادته كما أن أوروبا مرغمة لا تتمنى له أن ينجح في مهمته ويندفع بروسيا في اتجاه المركب الأوروبي. كل نشاط الآلة الإعلامية الأميركية كان مبرمجا من أجل شيطنة بوتين وروسيا معا. ومما يؤسف له أن القيادات الأوروبية صارت تتعامل سياسيا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وهو تطور خطير صار بموجبه بوتين هو ذلك الشخص الذي يرتدي حزام المصارعة الأسود.

“العالم في خطر بسبب السلوك الأميركي”. هل قالها بوتين؟ كان لزاما عليه أن يقولها قبل أن تقع كارثة أوكرانيا. فالحرب في أوكرانيا هي في حقيقتها حرب على روسيا. ليس من مصلحة أوكرانيا أن تعلن عن عدائها لروسيا وللروس. يمكنها أن تفعل ذلك إذا ما كانت روسيا تُحكم من قبل رجل ضعيف ولكن في ظل بوتين فإن ذلك الإعلان هو محاولة انتحار مؤكدة. انتحرت أوكرانيا على أعتاب الكرملين. غباء فولوديمير زيلينسكي السياسي هو الذي دفع به لإعلان الحرب على روسيا قبل أن تقوم باجتياح بلاده وهو ما كان متوقعا. فلو أن المكسيك أعلنت الحرب على الولايات المتحدة لرأت القوات الأميركية في اليوم الثاني في محيط القصر الجمهوري.

الحرب على روسيا كان مخططا لها أميركيا. شعب أوكرانيا هو الضحية. كل البكاء وكل التعازي لا معنى لهما في ظل حقيقة أن حكومة أوكرانيا قد نفذت ما هو مطلوب منها.

*العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى