السيــد زهـــره :هل وصلت الرسالة؟
هل وصلت الرسالة السعودية الإماراتية إلى الإدارة الأمريكية؟
بالتأكيد وصلت، فقد تم إرسالها في الفترة الماضية بشكل واضح صريح لا يقبل اللبس, وعبر أكثر من طريق وبأكثر من صورة.
لنتأمل المواقف والتطورات التالية.
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في الحوار المطول مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية وضع النقاط فوق الحروف فيما يتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية، وأوضح أن هذه العلاقات لا بد أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام الخصوصية السعودية، وأنه ليس من حق أحد فرض إملاءات أو ممارسة أي ضغوط على السعودية. المعنى الواضح فيما قاله الذي أدركه الكل وفي أمريكا بالذات أن هناك مشكلة في العلاقات وأن هذه هي شروط حلها.
الإمارات امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن بإدانة غزو روسيا لأوكرانيا على الرغم من الإلحاح الأمريكي، وهو الموقف الذي اعتبره كثيرون في أمريكا بمثابة تحدّ للإدارة الأمريكية.
والموقف الخليجي العربي عموما من الحرب في أوكرانيا يبتعد كثيرا عن الموقف الأمريكي. وهذا الموقف في مجمله إشارة واضحة إلى أن لدول الخليج العربي حساباتها الخاصة ومصالحها الخاصة، وأن زمن الانسياق وراء المواقف الأمريكية قد ولّى.
وفي هذا السياق أيضا، جاء رفض السعودية والإمارات لطلب أمريكا رفع إنتاج النفط رغم الإلحاح الأمريكي الذي لا يتوقف وإرسال مبعوثين إلى البلدين لهذا الغرض. أيضا جاء هذا الموقف ليثبت أن ما هو مصلحة أمريكية ليس بالضرورة مصلحة سعودية إماراتية أو خليجية عامة، وأن الأولوية هي لمصالحنا.
وفي الأيام الماضية كشفت المصادر الأمريكية عن أن الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد رفضا التحدث هاتفيا مع الرئيس الأمريكي بايدن رغم الطلبات الأمريكية الملحة، وفي الوقت نفسه تحدثا مع الرئيس الروسي بوتين. كان هذا إعلان غضب ورفض لمواقف وسياسات أمريكية.
كما نرى، كل هذه المواقف والسياسات العملية حملت رسالة واضحة صريحة إلى الإدارة الأمريكية. الرسالة مؤداها أن هناك أزمة عميقة في العلاقات، وأن السعودية والإمارات عازمتان من الآن فصاعدا على تحكيم مصالحهما والتصرف بناء على هذا، وأن حل هذه الأزمة أو تجاوزها له شروط واضحة لا بد من تلبيتها.
معروف أن هذه الأزمة بين أمريكا ودول الخليج العربية عموما، وبالأخص السعودية، ليست جديدة. هذه الأزمة موجودة ومطروحة بإلحاح منذ أن أتت إدارة بايدن إلى الحكم في أمريكا بسبب مواقف وسياسات هذه الإدارة كما سنوضح لاحقا.
لكن الجديد اليوم هو أن أمريكا هي التي تتهافت على محاولة تجاوز الأزمة، أو بمعنى أصحّ تجاهلها. إدارة بايدن هي التي بحاجة اليوم إلى السعودية والإمارات بسبب التطورات العاصفة المرتبطة بحرب أوكرانيا بكل جوانبها.
إدارة بايدن التي أظهرت منذ مجيئها إلى السلطة أنها لا تكترث بعلاقاتها مع دول الخليج العربية وليست معنية بحلّ مشاكل العلاقات معها، تريد اليوم أن تعطي الانطباع أنها حريصة أشدّ الحرص على العلاقات وعلى حل المشاكل.
إزاء هذا الإلحاح الأمريكي كان الحرص السعودي الإماراتي على توجيه هذه الرسالة إلى الإدارة الأمريكية. وجوهر الرسالة أنه إن كان للعلاقات أن تعود إلى سابق عهدها، فيجب أن يتم هذا على أسس جديدة واضحة.
المهم أنه إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى الإدارة الأمريكية، وقد وصلت طبعا بدليل أنها موضع جدل علني واضح في الأوساط الأمريكية وفي أجهزة الإعلام، وإذا كانت تريد حقا معالجة الأزمة وتجاوزها، فإن أول ما يجب أن تفكر فيه هو: كيف وصلنا إلى هنا؟.. ما هي الأسباب التي أوصلت العلاقات إلى هذا الحد؟.. من المسؤول؟
هذا حديث آخر بإذن الله.