قرار بوتين : الروبل بديلاً للدولار.. أربك حسابات المعسكر الغربي
أربك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حسابات المعسكر الغربي عقب إعلانه بيع الغاز الروسي لمن وصفها بـ«الدول غير الصديقة» بعملة الروبل الروسية عوضًا عن الدولار أو اليورو.
وقال بوتين في اجتماع حكومي اليوم، «في الوقت نفسه، أود التأكيد على أن روسيا ستواصل بالتأكيد تزويد الغاز الطبيعي بما يتماشى مع الأحجام والأسعار وآليات التسعير المنصوص عليها في العقود الحالية».
وأضاف بوتين أنه ليس من المنطقي بالنسبة لروسيا تصدير البضائع إلى الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة بالدولار الأمريكي أو اليورو.
ماذا يعني قرار بيع الغاز الروسي لأوروبا بالروبل؟
كان رد الفعل الأول الذي أحدثه قرار بوتين، هو تراجع سعر صرف الدولار مقابل الروبل، ووصل تحت مستوى 95 روبلاً للمرة الأولى منذ 3 مارس الجاري.
وتراجع سعر صرف الدولار اليوم أمام الروبل، بنسبة 8.27% لتصبح قيمته 94.9875 روبل، وذلك للمرة الأولى منذ نحو 3 أسابيع، فيما هبط اليورو إلى مستوى 110 روبلات، مقلصًا خسائره هذا العام إلى 23 ٪ بحسب بيانات بورصة موسكو.
وضمن تداعيات قرار بيع الغاز الروسي لأوروبا بالروبل، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، خلال تعاملات الأربعاء، وتجاوز سعر الغاز الطبيعي في أوروبا، مستوى 1500 دولار لكل ألف متر مكعب، لأول مرة منذ أوائل مارس.
أظهرت خطوة بوتين رغبة متزايدة لدى الجانبين لاستخدام إمدادات الطاقة الروسية كسلاح في الصراع بين موسكو والغرب بشأن الحرب في أوكرانيا. من خلال المطالبة بالمدفوعات بالروبل، يجبر بوتين الشركات الأوروبية بشكل أساسي على دعم عملته بشكل مباشر بعد أن تعرضت للسقوط الحر بسبب العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي.
رد فعل الغرب على قرار بوتين
قالت ألمانيا -أكبر مشتر للغاز الروسي بنسبة 50% من وارداتها- إن الإعلان عن مدفوعات الروبل يعد انتهاكًا للعقود، وستتحدث مع شركائها الأوروبيين حول كيفية الرد، وفقًا لوزير الاقتصاد روبرت هابيك.
وقالت إيطاليا -ثاني أكبر مشتر للغاز- إنها لا تميل إلى دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، لأنه قد يساعد بوتين في إضعاف نظام العقوبات في أوروبا.
قال المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، ماريو دراجي، فرانشيسكو جيافاتزي، في منتدى بلومبيرج كابيتال ماركت في ميلانو: «وجهة نظري هي أننا ندفع باليورو لأن الدفع بالروبل سيكون وسيلة لتجنب العقوبات، لذلك أعتقد أننا نستمر في الدفع باليورو».
حوالي 58 ٪ من إجمالي مبيعات الغاز في الخارج لشركة «غازبروم» الروسية كانت باليورو اعتبارًا من الربع الثالث من العام الماضي، وفقًا لأحدث نشرة سندات للمنتج. 39٪ أخرى كانت بالدولار الأمريكي.
قال تريفور سيكورسكي، رئيس الغاز الطبيعي والفحم والكربون في شركة إنرجي أسبكتس المحدودة: «ستحتاج غازبروم إلى مطالبة المشترين بالموافقة على تغيير شروط الدفع في العقود»، وفقا لوكالة بلومبرج.
قال أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل، إسوار براساد: «إن المطالبة بالدفع بالروبل هو أسلوب غريب وربما غير فعال في نهاية المطاف لمحاولة الالتفاف حول العقوبات المالية الغربية. من المؤكد أن الحصول على الروبل أسهل الآن بعد أن بدأت العملة في الانهيار. لكن استبدال العملات الأخرى بالروبل سيكون صعبًا للغاية نظرًا للعقوبات المالية واسعة النطاق المفروضة على روسيا».
قال كبير الاقتصاديين في مجموعة كابيتال إيكونوميكس، نيل شيرينج: «هذه ليست خطوة واضحة بالنسبة لي، لأن الاقتصاد الروسي يحتاج إلى إمداد بالعملة الأجنبية من أجل سداد قيمة الواردات – والطاقة هي أحد المصادر القليلة المتبقية»، وفقا لشبكة «إيه بي سي» الأمريكية.
اليوان بدل الدولار.. هل تستخدم السعودية الصين للضغط على أمريكا؟
ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الرئيس الصيني، شي جينبينج، قبل دعوة سعودية لزيارة المملكة ربما في مايو المقبل فيما أعلنت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، أنها تدرس إمكانية قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين. التي تحصل على رُبع الصادرات النفطية السعودية، حيث كانت الرياض أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين في يونيو لتتفوق على موسكو في إطار إمدادات النفط إلى الصين، وفقا لتقرير لوكالة رويترز.
وقد أثارت التطورات الأخيرة عن قرب زيارة الرئيس الصيني للسعودية وإمكانية استبدال الدولار باليوان في المبيعات النفطية بين البلدين، المخاوف من إمكانية أن تنحاز السعودية إلى جانب روسيا مع تزايد حدة التوترات الجيوسياسية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويرى خبراء أن السماح بدفع مدفوعات النفط باليوان قد يمهد الطريق أمام إنشاء نظام مواز للمدفوعات الدولية سيحتل فيه اليوان الصيني أهمية وقوة على غرار الدولار الأمريكي. كذلك، سوف يصب ذلك في صالح محاولة روسيا تجاوز العقوبات التي فرضتها الدول الغربية عقب غزوها لأوكرانيا حيث يمكن لموسكو استخدام اليوان أيضا.
ورغم أن الصين أعلنت حيادها بشأن الصراع في أوكرانيا، إلا أن هناك الكثير من الشكوك حول دعمها لروسيا على نطاق واسع حتى وإن كان بشكل هادئ وغير مباشر.
يرى خبراء أن إعلان السعودية إمكانية قبول اليوان بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين، يُنظر إليه في إطار الضغط على حلفاء الرياض من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة. وقد أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن السعودية فعلت ذلك من قبل في تقرير صدر عام 2019 تحت عنوان «لعبة الصين الكبرى في الشرق الأوسط»، حيث ذكر الباحثون في المجلس أن الصين كثيرا ما تُستخدم كورقة مساوم، وفقا دويتشه فيله.
واشنطن تمارسة المزيد من الضغوط على السعودية
وفي إطار تعزيز الدعم الدولي ضد روسيا بعد اندلاع العمليات العسكرية في أوكرانيا، سعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى نيل المساندة من السعودية ودفع الرياض إلى الاصطفاف إلى جانب أمريكا وأوروبا. وفي إطار هذه المساعي، زار المستشار الأمني الأمريكي، بريت ماكجورك، السعودية قبل أسبوع فيما قصد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الرياض أيضا.
ورغم الزيارات رفيعة المستوى، إلأ أن محاولات الجانب الأمريكي والأوروبي لإقناع السعودية بضخ المزيد من الإمدادات النفطية للحد من ارتفاع أسعار النفط، يبدو أنها باءت بالفشل. ما يمثل خيبة أمل خاصة وأن السعودية وجارتها الأمارات هما الأقدر على الأمر إذ أنهما تمتلكان فائضا كبيرا قد يعوض النفط الروسي.
شراكة استراتيجية شاملة!
وتطورت العلاقات السعودية-الصينية خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ، إذ كانت الرياض أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط عام 2020 بعد أن بلغت قيمة الواردات والصادرات أكثر من 67 مليار دولار (60.6 مليار يورو).
وتقوم العلاقات بين البلدين على تحقيق المصالح والمنفعة الاقتصادية لكليهما، وهو ما بزر في التشابه بين مبادرة “الحزام والطريق” التي ترغب الصين في تنفيذها بقيمة تريليون دولار ومشروع “رؤية 2030” التي طرحها ولي العهد السعودي لتحديث بلاده.
كما يدخل في هذا الإطار، ضمان حصول السعودية على دولة تشتري النفط والغاز على المدى الطويل، في وقت تبحث فيه الدول الغربية المستوردة للنفط السعودي في الابتعاد عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة النظيفة. كذلك، تسعى السعودية في سياق تنفيذ “رؤية 2030” إلى بناء مستقبل يكون فيه الاعتماد على النفط أقل أهمية بما في ذلك تحويل السعودية إلى مركز لوجستي في الشرق الأوسط، وهو ما يتوافق مع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
ورغم انخراط السعودية والصين فيما يُعرف بـ”شراكة استراتيجية شاملة”، إلا أن سينزيا بيانكو تحذر من القول بأن العلاقات بين البلدين ترتقي لأن تكون “تحالفا” بمعنى وصف الرياض وبكين “بالدولتين الحليفتين”.