عبدالمنعم ابراهيم : حرب أوكرانيا جاءت بعد تنكر الغرب لوعوده نحو روسيا
كل القادةِ السياسيين امتدادًا من أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يتحدثون عن (روسيا) على أنها عدوٌ للغرب، وعلى أنها دولةٌ معتدية على (أوكرانيا) ويتباكون على خرقِ روسيا للقانونِ الدولي، لكنهم لا يذكرون البتة الغزوَ والعدوانَ الأمريكي لفيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا ودول إفريقية ولاتينية كثيرة!
بالأمس نشرت «أخبارُ الخليج» مقالةً بقلم (روبرت فريمان) تحت عنوان (أسباب الصراع بين روسيا والغرب)، وأنصحُ القراءَ بالرجوعِ إليه لكي تكون لديهم صورةٌ أشمل للحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، حيث يقول (فريمان): (كان الانفجار العظيم في العلاقات الأمريكية الروسية يوم تفكك (الاتحاد السوفيتي) في عام 1991. كان الرئيس (جورج بوش) الأب ووزير خارجيته (جيمس بيكر) قد قدما وعدًا صريحًا لآخر رئيس سوفيتي (ميخائيل جورباتشوف) بأنه إذا وافق على توحيد ألمانيا فلن يتوسع (الناتو) شرقا باتجاه روسيا (ولو شبرا واحدا)، وتم نكث هذا الوعد على الفور تقريبا عندما ساعد الرئيسُ الأسبق (بيل كلينتون) في عام 1999 على انضمام بولندا والمجر وجمهورية التشيك إلى حلف الناتو، وهو ما اعتبرته روسيا منذ ذلك الوقت خيانةً كبيرة، بل عملا عدوانيا، وتعتبر (بولندا) على مر القرون عدوا لدودا لروسيا، وكان حلف الناتو قد انتهى لتوه من قصف (يوغوسلافيا) الحليفة لروسيا.
ويضيف روبرت فريمان: (لعل المواطن الأمريكي العادي ينسى أن الروس ظلوا على مدى تاريخهم يخافون بدورهم العدوان الغربي، فقد غزت جيوش الإمبراطور (نابليون بونابرت) روسيا في عام 1812 وأحرق موسكو وسوَّاها بالأرض، كما تسبب الغزو الألماني لروسيا في الحرب العالمية الثانية في مقتل 27 مليون روسي، أي 90 ضعف الخسائر الأمريكية في تلك الحرب العالمية، كما تم تدمير أكثر من 70 ألف قرية و1500 بلدة و9 آلاف جسر في روسيا، وتم تدمير شبكة النقل الوطنية وتدمير الإنتاج الزراعي.
الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بروسيا في الحرب العالمية الثانية على يد النازية الألمانية جعلتها تشعرُ بالخوفِ والتوجس من الخطر القادم لأراضيها من الغرب، ولذلك طلبت روسيا عدم تمدد حلف الناتو شرقا، ولم تكتف أمريكا والغرب بالتمدد لحلف الناتو ضد روسيا عام 1999 (بولندا والمجر والتشيك)، بل نكثت بوعدها مرة أخرى في عام 2004 عندما اعترف (الناتو) أثناء إدارة (جورج دبليو بوش) بعضوية دول البلطيق الثلاثة (أستونيا ولاتفيا وليتوانيا)! وهي دول مجاورة لروسيا، الأمر الذي يضع قوات الناتو على حدود روسيا، كما اعترف الناتو أيضا بانضمام (رومانيا وبلغاريا) في نفس تلك الدفعة!
ويقول فريمان: (تشارك بولندا والمجر ورومانيا في سياسة الاستعداد النووي لحلف شمال الأطلسي والذي يعني استضافة صواريخ نووية هجومية تستهدف روسيا، ويمكن أن تضرب هذه الصواريخ النووية التابعة للحلف الأطلنطي المدن الروسية الكبرى في أقل من 10 دقائق). ثم ينتقل (فريمان) إلى الجانب السياسي في الأزمة الأوكرانية الحالية فيقول: (في عام 2014 ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ انقلاب ضد الحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطيا، ذات الميول الروسية برئاسة (فيكتور يانوكوفيتش) فقد نصبت مكانه حكومة فاشية مشفرة ذات ميول غربية برئاسة (أرسيني ياتسينيوك) ولعبت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية (فيكتوريا نولاند) دورا لا يخفى على أحد في تدبير ذلك الانقلاب.
منذ انقلاب 2014 شحنت الولايات المتحدة أكثر من 2.5 مليار دولار من الأسلحة إلى الحكومة الأوكرانية الجديدة، ولم تبد أوكرانيا في هذه الأثناء أي احترام لمعاهدتي مينسك الأولى والثانية التي وقعتها في عامي 2014 و2015. وقد وُضعت تلك المعاهدتان لحماية الاستقلال الذاتي للمنشقين الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا.. وفي أوائل شهر فبراير 2022 بدأت الحكومةُ الأوكرانية في قصف إقليم (دونباس) تلك المنطقة الشرقية من البلاد التي يقطنها أغلبية من أصل روسي، وقد تم ذلك بمباركة ضمنية من أمريكا الراعي الاستراتيجي لأوكرانيا.
خلال الفترة الفاصلة ما بين عامي 2002 و2020 انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية، ومعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، ومعاهدة الأجواء المفتوحة، وهي المعاهدات التي أبرمت بهدف تقليل التوترات مع روسيا، ومن دون هذه المعاهدات ستتزايد بشكل كبير حالة عدم اليقين النووي، وبالتالي مخاطر الإقدام على خطوة خاطئة قد تشعل حرب لا تُبقي ولا تذر.
خلاصة حديث (روبرت فريمان) إن أمريكا والغرب نكثوا بتعهداتهم، وتوسع حلف الناتو شرقا على الحدود الروسية، ولم تكتف أمريكا بضم الدول الأوروبية الشرقية التي كانت جزءا من (الاتحاد السوفيتي) القديم، بل سعت إلى ضم (أوكرانيا) أيضا إلى حلف الناتو بعد أن قامت أمريكا بانقلاب سياسي في أوكرانيا ضد حكومة منتخبة شرعا! ودعمت بالسلاح قوى نازية وقومية متطرفة في أوكرانيا لمقاتلة الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية في (دونباس).
إن عملية الخنق الأمريكي–الغربي لروسيا منذ 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ومحاصرة روسيا بدول نووية شرقا في حلف الناتو، والعبث بالاستقرار السياسي في أوكرانيا وتنصيب حكومة موالية للغرب، كل هذه الأمور دفعت روسيا إلى الدفاع عن أمنها عبر قيامها بعملية عسكرية خاصة في أوكرانيا بعد أن رفض الغرب وعلى رأسهم أمريكا إعطاء (موسكو) الضمانات الأمنية التي وعدوا بها عام 1991.. فمن المعتدي في أوكرانيا الآن؟!!