احمد الجارالله : رجال الكويت الأحرار كُثُرٌ … فاستعينوا بالقوي الأمين
قيل في الماضي: “لكلّ زمانٍ دولةٌ ورجال”، والدول قرار يصنعُهُ أصحابُ العزائم، الذين يسعون إلى بناء أمجاد أمتهم، وليس مجدهم الشخصي، وفي التاريخ كثير من أسماء قادة يمرُّ عليها المرء مرور الكرام، فيما إلى اليوم البشرية تتداول قصص بعض الذين عملوا على نقل شعوبهم من التخلف والفقر إلى التقدم والازدهار، لذا قيل إنَّ الحضارات يصنعها رجلٌ قائدٌ.
حتى في الديمقراطيات العريقة تبقى أسماء بعض المسؤولين لامعة، بل يتحوَّل هؤلاء مدارس للأجيال، هكذا كانت الحال مع رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرتشل، والسنغافوري لي كوان يو، ومهاتير محمد، وغيرهم، الذين لم يتنازلوا عن الحق سعياً إلى حماية أنفسهم من مساءلة هنا أو استجواب هناك.
في بريطانيا يشهد مجلس العموم يومياً أكثر من استجواب لرئيس الوزراء والوزراء، وفي الولايات المتحدة الأميركية جلسات استماع يومية للوزراء وكبار المسؤولين، وكذلك الأمر في السويد، والنرويج، وفرنسا، وألمانيا، وغيرها من الديمقراطيات التي يعمل فيها النائب من أجل وطنه وشعبه وليس لمصالحه الشخصية، كما هي الحال في الكويت التي يشلُّها سؤالٌ من نائب؛ لأنَّ الوزير لم يُعيِّن ابنه سفيراً أو وكيلاً، أو لم يُمرِّر له معاملة غير قانونية.
من مهازل التاريخ البرلماني الكويتي، أذكر أنه قبل سنوات اختلف نائبٌ مع أحد المواطنين، ونعته بأنه ليس كويتياً أصيلاً، ولكي يُثبت كلامَهُ، وجَّهَ سؤالاً إلى وزير الداخلية طلب فيه كلَّ أسماء الكويتيين وملفات جنسياتهم، فكان الردُّ عبارة عن ثلاث شحنات من الوثائق التي تحتاج إلى سنوات للاطلاع عليها، لذا هنا نسأل: من المسؤول عن هذا العبث؟ وهل حصل ذلك في أي دولة بالعالم؟ وكم سؤالاً تحريضياً على هذه الشاكلة عطل الوزارات التي انشغلت في تأمين الوثائق للرد عليه؟ وكم وزيراً سقط بالكيدية؟
هذه الديمقراطية الزائفة هي التي جعلت من كلِّ نائب يتوهم نفسه حاكماً، وله مُطلق الحرية في الشَّتم والتَّخوين والهمز واللمز، بل المس بالأعراض، فيما في الديمقراطيات الرشيدة، حيث يعرف كلُّ مسؤول دورَهُ، ويعمل وفق القانون، ويمارس عمله بأمانة، فلا تزحف سلطة على صلاحيات أخرى، بل لا يخافُ الوزير أو رئيس مجلس الوزراء من التخلي عن منصبه الذي يراه ملكية مُطلقة له، فهناك القانون هو الحكم، وليس العزوة القبليّة والعصبيّة الطائفيّة، ولا القوة الحزبيّة، ولا المال السياسي، الذي يوظف لخدمة المحاسيب والأتباع.
نعم، ما تُعانيه الكويت هو تعدُّد سلطة القرار، الذي أدى ويؤدي إلى كلِّ هذا التراجع والفساد، والسبب الحكومات الضعيفة التي تخلَّت طواعية عن صلاحياتها، وجعلت النواب حكاماً بسبب خضوعها لابتزازهم؛ لأن المسؤول فيها يهمُّه جاه المنصب أكثر من أي أمر آخر، ولهذا فإنَّ كلَّ الحكومات التي أعقبت حكومة الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، أي منذ العام 2006، كانت ضعيفة؛ لأن رؤساء مجالس الوزراء لم يُحافظوا على صلاحياتهم.
هذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة أمام كلِّ مسؤول يقبل التكلف بمهمة ما لخدمة الكويت، بل لا بد من تصحيح الخلل الكبير، الذي تسبَّب به ضعف رؤساء مجالس الوزراء الذي أعطى للنواب صلاحيات ليست دستورية على الإطلاق، وهذا لا يُمكن أن يتم إلا من خلال تعليق عمل مجلس الأمة بضع سنوات، والإتيان بحكومة قوية بقيادة رجل قرار ليكون مجدداً للنهضة الكويتية، إذ كما قال الشاعر: “نفسُ الحُرِّ لا تقبلُ الخنا”، وفي الكويت الكثير من الأحرار القادرين على أن يكونوا رجال الزمن المُشرق.