اسم في الأخبار

إبراهيم الجبين : شهباز شريف.. محنّك جعل من نفسه “الخيار المفضّل” لباكستان وحلفائها

في مثل هذه الأيام من أبريل الماضي، أي قبل عام من الآن، خرج شهباز شريف من السجن الذي تم زجه فيه بتهمة التورط في غسيل الأموال، بعد أن قضى فترة إلى أن أطلقت محكمة لاهور سراحه بكفالة. وقبل يومين فقط صوت البرلمان الباكستاني في عملية واسعة قادها شريف نفسه، لصالح سحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، بعد محاولتين فشل فيهما في تحقيق هذا الهدف ولكنه نجح أخيرا ليصبح خان خارج اللعبة، ولتتوجه الأنظار نحو شريف زعيم المعارضة الباكستانية وقائد حزب الرابطة الإسلامية.

أما أمس الاثنين فقد انتخب البرلمان الباكستاني شريف زعيما للأغلبية البرلمانية ليتولى منصب رئيس الوزراء ويشكل لاحقا حكومة جديدة، بأغلبية 174 صوتا، فيما قدّم نواب حزب خان “إنصاف” استقالة جماعية قبيل التصويت. وقال شاه محمود قريشي وزير الخارجية السابق ونائب رئيس حزب خان في خطاب قبل التصويت “نعلن أننا جميعا نستقيل”.

لم يأت شريف إلى رئاسة الوزراء من فراغ، فهو رجل إدارة بامتياز ومنذ عقود، وتشهد له البنجاب بما قدمه من تنمية ومشاريع بنية تحتية نوعية، وفي مجال المواصلات والطرق وأنظمة المترو الجديدة، أول نظام نقل جماعي متطور في البلاد.

بعد عزل خان وقف شريف يخطب بتفاخر “الآن باكستان تعمل على أساس الدستور والقانون. وعندما يحين الوقت سنتحدث بالتفصيل، لكننا نريد مداواة جراح الأمة، ولن نرسل أبرياء إلى السجون، ولن ننتقم”، مشيرا إلى أن القانون سيأخذ مجراه.

إنجاز في الحكم

شريف الذي يفتتح عقده الثامن هو شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وابن لأسرة كشميرية تتحدث البنجابية في لاهور. والده كان رجل أعمال وصناعيا متوسط الحال.

درس شريف الآداب في الكلية الحكومية في لاهور. واتجه نحو أعمال أسرته في مجموعة “اتفاق” الاقتصادية، قبل أن ينتخب رئيسا لغرفة تجارة وصناعة لاهور عام 1985 ثم قرّر الانخراط في السياسة فتولى منصب رئيس وزراء ولاية البنجاب ثلاث مرات، وهذه الولاية أغنى ولايات البلاد، وتم انتخابه عضوا في الجمعية الوطنية الباكستانية مطلع التسعينات، ليبدأ خط المعارضة مبكرا.

لكنّ انقلابا عسكريا دبّره برويز مشرف عام 1999 أطاح بشقيق شريف وبطموحاته معه فقضى سنوات في المنفى السياسي في المملكة العربية السعودية. وقد حاول شريف العودة إلى باكستان، لكنه رُحّل مرة أخرى إلى السعودية في غضون ساعات قليلة من وصوله المطار. حتى عاد مع أسرته في العام 2008 لينتخب بعدها عضوا في جمعية البنجاب للولاية الرابعة، ويشغل منصب رئيس وزرائها مجددا وستشهد الولاية في عهده الكثير من الإنجازات.

واليوم سيحاول شريف، الذي يقود تحالفا برلمانيا بين أحزاب غير منسجمة، تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب الشعب الباكستاني اليساري وجماعة علماء الإسلام المحافظة.

قبل وصوله إلى البرلمان وتصدره للمشهد المعارض في البرلمان الباكستاني في أغسطس 2018، كان شريف  يعد مؤيديه والتحالف الذي يتزعمه بأن الوقت سيحين قريبا.

وأكّد مرارا أن بلاده بحاجة إلى المضي قدما وتجاوز الخلافات مع الجيش، مادا يده للتعاون مع الجنرالات إذا ما تم انتخابه رئيسا للوزراء، وها قد تم له ذلك.

رسالة ذكية استطاع تمريرها ببراعة خلال الوقت الذي تلا تجربة أخيه المرّة مع الجيش، حينها كان شريف ينتقد المؤسسة العسكرية، وقد دفع ثمن ذلك السجن والنفي، ومع ذلك فقد توصل إلى صيغة مناسبة على ما يبدو.

الجيش الباكستاني يدير اللعبة السياسية عن بعد وبشكل مباشر حين يضطر إلى ذلك، فهو يتحمل مسؤولية دولة نووية ذات وضع جيوستراتيجي حساس وعدد سكان كبير. ويقول المحللون إن الجيش الباكستاني لم يدع أي رئيس وزراء يكمل ولايته لخمس سنوات منذ أن استقلت البلاد.

لم ينس شريف بث إشارتين متلازمتين في الوقت ذاته، فمثل تطوير علاقاته مع الجيش حرص على طمأنة الولايات المتحدة باستمرار. آخر مرة بعث إليها برسائله كانت الأسبوع الماضي في ذروة أزمة خان الذي كان يرفع صوته بالشكوى من مؤامرة تعدّها واشنطن للإطاحة به بسبب موقفه من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حينها قال شريف “إن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة ضرورية لباكستان في السراء والضراء”.

لملف التحالف الأميركي الباكستاني، شجونه لدى الباكستانيين عبر كل العهود الماضية ليس فقط سياسيا بل وحتى على صعد أخرى لا تقل أهمية. والوضع الاقتصادي في باكستان وضع لا يحسد عليه من سيجلس على كرسي خان، فالعملة في تراجع والتضخم متصاعد، دون أن ننسى أن تصنيف “مؤسسة هرتيج”

العالمي يضع اقتصاد باكستان ضمن فئة “غير حرٍّ غالبًا”. ولهذا العديد من الأسباب، من بينها معاناة الباكستانيين من مسألة رفع سوية أنظمة الحكم والقوانين التي يجب أن تتطور كي تصبح البلاد بيئة آمنة لجذب الاستثمارات.

وهذا الحقل وحده يعدّ من أكبر التحديات التي تواجه أي رئيس وزراء لباكستان التي حين تقلّب صفحات التقارير الدولية عنها يمكنك أن تجد عبارة مثل هذه “السياق الثقافي الباكستاني – الإقطاعي” يتناقض بطبيعته مع التنمية، ومع كل ما يُبذل من أجل ترسيخ مبدأ الكفاءة وحرية الاختيار.

ورغم تعثر إدارة الموارد والسياسات الحكومية العامة، إلا أن باكستان لا تزال في صدارة الدول ذات الموارد الطبيعية الكبرى، ففيها يوجد خمس احتياطي ذهب في العالم. وثاني أكبر احتياطي ملح وسادس أكبر احتياطي فحم. إلا المخاوف ما تزال كبيرة حيال احتمال اندلاع حروب أهلية بسبب الموارد بين المكونات القبلية لباكستان.

كان يمكن لباكستان أن تكون ممر التجارة عبر آسيا، لولا أن جوارها بقي ملتهبا في كل وقت، وبغض النظر عن الماضي البعيد، شهدت الخمسون سنة الماضية وحدها بروز ثلاث بؤر على الأقل توتر تحيط بباكستان، أفغانستان والهند وإيران. فكانت الدولة المسلمة على شفير حرب باستمرار، إن لم يكن حول إقليم كشمير فحول الإرهاب ومكافحة التطرف.

ومع أنها شريك قوي للولايات المتحدة أمنيا وعسكريا في العديد من الملفات وعلى رأسها الحرب على الإرهاب، إلا أن واشنطن لم تفضّل باكستان على الهند في مجال الشراكة الاقتصادية وصناعة درع اقتصادي في آسيا يقف بوجه الصين، ما أدى إلى تراجع الاقتصاد الباكستاني بنسبة 45 في المئة منذ العام 2009. فضلا عن انحسار السياحة بسبب الأوضاع الأمنية وتحول باكستان إلى غرفة عمليات عسكرية وأمنية ووقع تفجيرات في العديد من المناطق فيها.

التفتت إسلام أباد نحو الإقليم وحاولت تطوير التبادل التجاري لاسيما في مجال الطاقة مع دول آسيا الوسطى، كما في حالة خط أنابيب الطاقة العابر من آسيا الجنوبية إلى آسيا الوسطى الذي يربط باكستان بأفغانستان وطاجيكستان وقرغيزيا.

مشكلة باكستان أن جميع مصالحها ترتبط بأعداء حليفها الأميركي، فحتى العقوبات المفروضة على إيران، تصيب باكستان بنفس الدرجة، كما في حالة خط الغاز الإيراني – الباكستاني المتوقف منذ العام 2012 بسبب ضغط الولايات المتحدة على إسلام أباد، أما لو حاولت الأخيرة التحرّك نحو الصين أو روسيا فستسمع قرع الأجراس الأميركية على الفور.

على الصعيدين السياسي والاقتصادي يبدو شريف مختلفاً عن خان، حتى حيال الهند ورغم كل التوتر القائم بين البلدين والحروب الثلاث التي اندلعت بينهما، فإن مواقف شريف تميل نحو التهدئة والسلمية.

وكانت باكستان قد أعلنت عن خطة مستقبلية حملت اسم “رؤية باكستان 2025” أكَّدت فيها على تشجيع التنمية الاقتصادية كوسيلة لتشجيع التعاون الإقليمي وتخطي الاقتصاد للحدود الإقليمية. تقوم على الاستقرار السياسي، الذي عصفت به أزمة خان، فهل سيتمكن شريف من استعادة المسار نحو توازن كان أساسا صعب الصمود؟

*العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى