رأي في الحدث

السيــد زهــره: ليست حربا من أجل الديمقراطية

عندما‭ ‬ألقى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بايدن‭ ‬خطاب‭ ‬حالة‭ ‬الاتحاد‭ ‬وتطرق‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ ‬والمواجهة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬وروسيا‭ ‬اعتبر‭ ‬انها‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬في‭ ‬المعركة‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتلك‭ ‬الاستبدادية،‭ ‬أثبتت‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬أنّها‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬التحدّي،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬يختار‭ ‬جانب‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‮»‬‭.‬

وظل‭ ‬بايدن‭ ‬يلح‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬اغلب‭ ‬تصريحاته،‭ ‬ومؤخرا‭ ‬أعاد‭ ‬وصف‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬بالصراع‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والاستبداد،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬السؤال‭ ‬هو‭ ‬لمن‭ ‬ستكون‭ ‬السيادة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬أم‭ ‬الاستبداد؟‮»‬‭. ‬وأضاف‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والروس‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬نهج‭ ‬بايدن‭ ‬ركز‭ ‬اغلب‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬خطابهم‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬توصيف‭ ‬المواجه‭ ‬بأنها‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الاستبداد‭ ‬أو‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والحرية‭.‬

من‭ ‬المفهوم‭ ‬طبعا‭ ‬ان‭ ‬بايدن‭ ‬وقادة‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬يتصورن‭ ‬انه‭ ‬بخطابهم‭ ‬هذا‭ ‬يقنعون‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬الغرب‭ ‬يخوض‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬إنسانية‭ ‬وسياسية‭ ‬نبيلة‭ ‬هي‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬ومحاربة‭ ‬الاستبداد‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

ويتصور‭ ‬قادة‭ ‬الغرب‭ ‬انهم‭ ‬بهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬ان‭ ‬يكسبوا‭ ‬دعم‭ ‬وتأييد‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬والانسياق‭ ‬وراءهم‭ ‬في‭ ‬الاجراءات‭ ‬التي‭ ‬يتخذونها‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭.‬

العالم‭ ‬كله‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬خطاب‭ ‬متهافت‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬دعاوى‭ ‬وادعاءات‭ ‬غربية‭ ‬زائفة‭ ‬وكاذبة‭ ‬ومضللة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬أحد‭.‬

أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

أولا‭: ‬الكل‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬حرب‭ ‬اوكرانيا‭ ‬والمواجهة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬وروسيا‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬او‭ ‬بعيد‭ ‬بمزاعم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬ومحاربة‭ ‬الاستبداد‭.‬

هذه‭ ‬حرب‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬صراع‭ ‬عالمي‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭.‬

بعبارة‭ ‬ادق،‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬ارادتين‭ ‬عالميتين‭: ‬إرادة‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬استمرار‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬ومقاومة‭ ‬الملامح‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬تصدع‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬وقرب‭ ‬انتهائها‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬روسيا،‭ ‬ومعها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كثير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬ان‭ ‬تنهي‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬وتفسح‭ ‬الطريق‭ ‬امام‭ ‬عالم‭ ‬اكثر‭ ‬توازنا‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭.‬

ثانيا‭: ‬ان‭ ‬حكاية‭ ‬حرص‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أصبحت‭ ‬مثار‭ ‬سخرية،‭ ‬بل‭ ‬واستفزازا‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭.‬

هذا‭ ‬بسبب‭ ‬الجرائم‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬باسم‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭.‬

باسم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬شنوا‭ ‬أشنع‭ ‬الحروب‭ ‬والاعتداءت‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مستقلة‭ ‬ودمروها‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحرفي‭ ‬للكلمة‭. ‬يكفي‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬للعراق‭ ‬وأفغانستان‭.‬

وباسم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬نفذوا‭ ‬مخططات‭ ‬لإسقاط‭ ‬نظم‭ ‬حكم‭ ‬عربية‭ ‬وإغراقها‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬ولتمكين‭ ‬قوى‭ ‬دينية‭ ‬طائفية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬أصلا‭.‬

ثالثا‭: ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬يريدون‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ازمة‭ ‬تاريخية‭ ‬عميقة‭. ‬يكفي‭ ‬الأزمة‭ ‬الطاحنة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والنظام‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬برمته‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬محتدمة‭ ‬ومفتوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬الكارثية‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬نموذج‭ ‬ديمقراطي‭ ‬غربي‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يحتذيه‭ ‬العالم‭. ‬

لهذه‭ ‬الأسباب،‭ ‬وغيرها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬ان‭ ‬خطاب‭ ‬الغرب‭ ‬حول‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والاستبداد‭ ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬إليه‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬حتى‭ ‬المحللون‭ ‬الغربيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أصبح‭ ‬كثيرون‭ ‬منهم‭ ‬يعتبرون‭ ‬الخطاب‭ ‬مثيرا‭ ‬للسخرية‭ ‬والشفقة‭.‬

والأمر‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭. ‬نحن‭ ‬نشهد‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬مفارقة‭ ‬تاريخية‭ ‬عجيبة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى