أحمد الجارالله : يا حكام… دعوا الناس تَدْعُ لكم وليس عليكم
الذي أعلنته دولة الإمارات يوماً للعمل الإنساني؛ إحياءً لمآثر الراحل الكبير الذي تميَّزت مسيرتُهُ بالعطاء والتفاني بخدمة شعبه وأمته، ولهذا لُقِّب بـ”زايد الخير”.
من مآثر الراحل أنه كان دائم التجوال في أبوظبي وربوع الإمارات؛ للاطلاع على أحوال أهلها، من دون مرافقة، وكثيراً ما صادفته مواقف إنسانية، كان فيها المعين والحاكم الإنساني.
ومما يرويه مرافقه الخاص، سعيد بن دري الفلاحي، عن حادثة وقعت خلال حفل افتتاح “المارينا مول” في أبوظبي في إبريل العام 2001، يقول: “بينما كنا نتجول في المول برفقة الشيخ زايد، رأينا امرأة تركض نحونا، ولاحظها الشيخ فأمرنا بألا نعترض طريقها، وحين وصلت إليه أمسكت يده بقوة، حتى إن خاتمها جرح يده، فقال لها أبوخليفة: “كأنك ابخصتي (اي جرحتيها) يدي؟”، فقالت المرأة: “جرحي أكبر من جرحك يا طويل العمر”، وبدأت بالبكاء.
أضافت: “زوجي تعسر في عمله وزج به في السجن لديون عليه، وأنا أم لثلاثة أولاد وليس لدينا ما نقتات منه، فرب البيت بالسجن، ولا أدري ماذا أفعل، وليس لي إلا الله وأنت يا طويل العمر”.
فقال لها الشيخ: “ردي بيتك يصير خير”، والتفت إليَّ قائلاً: “سجل رقم هاتفها وعنوانها”، وحين وصلنا إلى قصر البحر، طلب أن أتصل بالشيخ سيف بن زايد، وقال لي: حتى مغرب شمس هذا اليوم لا أريد أن يبقى مسجون غارم في السجن.
وحين وصل الشيخ سيف بن زايد أمره أن يصدر أمراً إلى كلِّ السجون في الدولة بـ”إطلاق سراح المساجين الغارمين، وألا يبقى إلا الذين تورَّطوا بجرائم قتل، ويرد كل موظف إلى وظيفته، والعاطل عن العمل تؤمن له وظيفة فوراً، والمديون تسدد ديونه”.
هذه واحدة من القصص التي تروى عن المرحوم الشيخ زايد بن سلطان، وهي مثال على شعور القائد بشعبه ورفع الضيم عنه، وكيف يكون بين الناس؛ كي لا تُخفي البطانة عنه ما تعتبره تكديراً لخاطره، أو يترك أمور البلاد والعباد لمسؤولين عاجزين لا يدركون طبيعة مهمتهم، بل يرون في المنصب تشريفاً وليس تكليفاً لخدمة الشعب، ما يجعلهم يتسببون بالأزمات الداخلية.
لم يكن الشيخ زايد مجرد حاكم يؤدي وظيفته من برج عاجي أو من خلف أسوار القصر، بل عاش بين الناس، لذلك كان قريباً من الجميع، وهو ما جعل الإمارات تتميَّز بالاستقرار، والحض على المبادرة الفردية تحت سقف القانون، وألا يشعر المواطن والمقيم أنه غريب فيها، ولذا تبوَّأت هذه المرتبة المتميزة عالمياً؛ لأن الحاكم قدوة تسير الدولة ككلٍّ على نهجه، وهكذا كان زايد يسعى إلى أن تدعو له الناس، وليس عليه.