أحمد الجارالله : قانون الجرائم الإلكترونية حَوَّل الكويت سجناً كبيراً
المُضحك المُبكي أن الكويت تعتبر نفسها دولة ديمقراطية، والجميع يتغنّى بذلك إلى حدٍّ جعل هذا الشعار فوق التنمية، وإصلاح التعليم والصحة والاقتصاد، بل بسببه تتعطل مؤسسات الدولة، لكن رغم ذلك تحوَّلت الكويت، أيضاً، وبقوة الضغط النيابي في العام 2015، دولة بوليسية، حين أقرَّ مجلس الأمة قانون الجرائم الإلكترونية، الذي تحوَّل مصيدة للناس؛ وذلك سعياً من النواب، حينذاك، إلى حماية أنفسهم مما تكشفه وسائل التواصل الاجتماعي.
الكويت الوحيدة في العالم التي جعلت التصدي لوسائل التواصل الاجتماعي، وبهذا الشكل القمعي، مسألة حياة أو موت، وهي وحدها التي تزج مواطنيها في السجون جرّاء تغريدة لا تتعدى 160 حرفاً، فيما في الدول الأخرى ثمَّة إجراءات كثيرة غير الحبس، أهمها الغرامات، أو إقفال حسابات المُغردين، ولم نر دولة تعاقب هؤلاء بأحكام قاسية، وصلت ضد البعض إلى مئة سنة، و65 سنة، و30 سنة، فيما هناك نحو 660 قضية مرفوعة على مُغرِّدين، بينهم 32 امرأة، ونحو 400 كويتي هربوا إلى الخارج بسبب تلك الأحكام الجائرة، وكل هؤلاء يُكلفون الدولة مبالغ طائلة سنوياً، ويشغلون المحاكم والجهات المُتخصصة، فيما الجانب الأخطر في هذا الشأن هو الضرر الاجتماعي الواقع على عائلات المُغردين.
في غالبية دول العالم، خصوصاً الديمقراطية منها، حرية الرأي مقدسة، ولا يلاحق ناشر المحتوى على كلامه، هكذا هي الحال في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية، حيث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “يغسل شراع” الرئيس الحالي جو بايدن يومياً، ومنذ سنوات، ورغم أن الأخير هدد بالويل والثبور، إلا أنه لم يستغل منصبه للنيل من خصمه السياسي، ولم يتهمه بتعريض الأمن الوطني للخطر.
نعم، ثمة حالات تستدعي التحقيق، ومنها إثارة النعرات القبلية والطائفية، وتعكير صفو المجتمع، أو تجنيد الشباب والمراهقين في منظمات وجماعات إرهابية، وهذه لها قوانينها الرادعة، لكن ذلك لا يعني التمادي في تكميم الأفواه، والدفع إلى الاحتقان السياسي والاجتماعي؛ لأن كلمتين لم يعجبا هذ المسؤول أو ذاك فصوَّرهما على أنهما تمسان بالأمن الوطني أو تُمهِّدان لحرب بين الكويت وجيرانها.
يكاد يكون كلُّ مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مشاريع سجناء، حتى أولئك الذين كشفوا مكامن الفساد وفضحوا الفاسدين، فيما الذين فروا إلى الخارج تحوَّلوا أشبه بإذاعات تؤلب الرأي العام ضد الدولة وأهلها، وكل هذا بسبب قصر نظر تشريعي يعادي طبيعة الكويت الثقافية والاجتماعية، فيما الحل بسيط جداً، وهو الأخذ بما سارت عليه الدول الديمقراطية الحقيقية.
اشتهر في الإقليم أن قوة المجتمع الكويتي بتماسكه وانفتاحه على حرية الرأي والتعبير، لكن ما يجري حالياً هو انقلاب على ثقافة هذا المجتمع، والمؤسف أنه ليست هناك مرجعية رسمية تضع حداً لكلِّ هذا الظلم الذي يهدم أسوار حماية الكويت، فالسلطتان، التنفيذية والتشريعية، تتمسكان بهذا القانون؛ لأنه يُخفف عنهم “عوار الراس”، وعدم كشف فضائح صفقاتهما.