عبدالمنعم ابراهيم: ابتزاز إيراني للكويت.. وعودة إلى تحريك أذرعها في المنطقة
بعد الزيارة التي قام بها مؤخراً مفاوض الاتحاد الأوروبي المسؤول عن تنسيق المحادثات النووية الإيرانية في العاصمة النمساوية (فيينا) «أنريكي مورا» لطهران، بهدف تحريك المفاوضات المتوقفة منذ 11 مارس الماضي، والتي وصفت بأنها «مهمة الخرطوشة الأخيرة» لا تبدو الأمور على ما يرام في التفاؤل بحلحلة الخلافات العالقة لعودة إيران إلى الاتفاق النووي، وأهمها مطالبة طهران برفع اسم «الحرس الثوري الإيراني» و«فيلق القدس» من قائمة المنظمات الإرهابية في أمريكا، ورفض الكونجرس الأمريكي لذلك الطلب الإيراني.
ويبدو أن إيران غير مكترثة ما إذا كانت المفاوضات حول ملفها النووي سوف تستأنف قريبا أو بعيدا، أو هي نهاية المفاوضات، لأنها لا تزال متمسكة بأهم سلاح في يدها، ويعتبر أقوى من «السلاح النووي»، وهو سلاح أذرع إيران ومليشياتها المسلحة المنتشرة في الدول العربية، ودول آسيوية مجاورة لها أيضا مثل أفغانستان وباكستان وكشمير الهندية.. وعدم التوصل إلى اتفاق نووي جديد يجعلها في حلّ من أية التزامات دولية بخفض نسب تخصيب اليورانيوم المؤدي إلى صنع قنبلة نووية، وبالتالي فإنها قد تلجأ إلى ذلك سرّا بغية الوصول إلى امتلاك سلاح نووي، وتضع العالم بأكمله أمام الأمر الواقع، تماما مثلما تعاملت أمريكا وبريطانيا وأوروبا مع نفوذ إيران ومليشياتها المسلحة في سوريا والعراق ولبنان واليمن وقطاع غزة بفلسطين على أنه «أمر واقع»! وقبلت هذه الأطراف الدولية بحق إيران في التصرف كما شاءت في الدول العربية!
وفي هذه الأيام تحرك إيران هذه المليشيات بشكل استفزازي في مناطق نفوذها، حيث تحضّر لنسف الهدنة ووقف إطلاق النار في اليمن، بعد أن استرجعت مليشيات الحوثي أنفاسها وأعادت ترميم صفوفها من جديد، كما فتحت إيران جبهة عسكرية جديدة لها في العراق من خلال قصف منشآت نفطية كردية في الشمال، في رد على مساعي إقليم كردستان العراق لتعزيز صادراته من النفط إلى تركيا وأوروبا!
لكن أحدث مواجهة حركتها إيران مؤخرا جاءت في مياه شمال الخليج العربي، إذ دفعت بمليشياتها المسلحة في العراق، وخصوصا في صفوف «الحشد الشعبي العراقي» إلى التحرش بخفر السواحل الكويتية، واستفزاز الكويت أمنيا تحت ستار حق الصيادين العراقيين في التنقل في المياه الإقليمية الكويتية!
وذكرت صحيفة «العرب» اللندنية منذ يومين أن العلاقات الكويتية-العراقية تواجه أزمة جديدة على خلفية تهديدات أطلقها عدد من أعضاء مجلس النواب العراقي، وقيادات في مليشيات «الحشد الشعبي» الموالية لإيران، بعضها لوّح صراحة بغزو الدولة الجارة، وتشكك دوائر سياسية كويتية في دوافع هذه التهديدات التي يقول مطلقوها إن سببها مضايقات يتعرض لها الصيادون العراقيون في «خور عبدالله» على يد السلطات الكويتية، تصل في أحيان كثيرة إلى الاعتقال، وتشير الدوائر إلى أن السلطات الكويتية مجبرة على استخدام صلاحياتها، في حال حصل تجاوز من قبل الصيادين العراقيين، وهذا الأمر ليس بجديد، لافتة إلى أن توجيه مثل هذه التهديدات في هذا التوقيت بالذات ليس بريئاً، وخصوصا أنه يتزامن مع أزمة طفت على السطح مؤخراً بين الكويت والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، حول حقل غاز «الدرة» البحري، وتوضح الدوائر أن بحث مسألة الصيادين كان يفترض أن يجري عبر القنوات الدبلوماسية للدولتين، وأن الأمر لا يتطلب أكثر من ذلك، ولا سيما التهديد بغزو دولة جارة.
ويرى مراقبون بحسب صحيفة «العرب» اللندنية أن الشكوك الكويتية في دوافع التحرك العراقي لها ما يبررها، وأن ذريعة الصيادين العراقيين لا تبدو مقنعة، فالعراق يتعرض لتجاوزات وانتهاكات أخطر بكثير على أراضيه من دول مجاورة (مثل إيران وتركيا)، ولا يتم تسجيل مثل ردود الفعل هذه كالتلويح بالغزو! ويرجح مراقبون أن تكون إيران قد عمدت إلى تحريض المليشيات الموالية لها في العراق لتوجيه مثل هذه الرسائل، في إطار عملية ابتزاز للكويت بشأن حقل غاز «الدرة»، وهذا ليس بجديد على طهران، إذ دأبت الأخيرة على توظيف أذرعها في المنطقة في عمليات ضغط على الآخرين، مشيرين إلى الضربات الصاروخية التي تشنها بعض المليشيات ضد منشآت نفطية في إقليم كردستان العراق.
إذن إيران عادت إلى تحريك أذرعها في المنطقة، وما تفعله في المياه البحرية الكويتية عبر الصيادين العراقيين يُقصد به ابتزاز الكويت لإخضاعها لإشراك إيران في حقل «الدرة» البحري! وعلى دول المنطقة أن تستعدّ لمناوشات واستفزازات إيرانية أخرى قادمة، سواء من خلال «الحوثيين» في اليمن أو مليشيات «الحشد الشعبي» في العراق، أو تحريك «خلاياها الإرهابية» في دول الخليج مجددا.. فالحذر واجب، واليقظة مطلوبة في ظل انشغال العالم بحرب أوكرانيا.