السيـد زهــره : أمريكا في مواجهة الحقيقة المرة
منذ أيام، قام الجنرال مايكل كوريلا، القائد الأمريكي الجديد للقيادة المركزية بجولة زار خلالها ثلاث دول عربية هي، الإمارات، والسعودية ومصر.
في المحادثات التي أجراها القائد الأمريكي مع القادة والمسئولين في الدول الثلاث، وهي تعتبر تقليديا من أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة، من الواضح أنه سمع آراء صريحة وربما حادة وقاسية أزعجته أو حتى أفزعته عن التقييم العربي للمواقف والسياسات الأمريكية وعن الحال الذي وصلت إليه العلاقات معها.
الدليل على ذلك أن الجنرال كوريلا حين تحدث إلى الصحفيين الذين رافقوه بعد انتهاء زيارته للدول الثلاث لم يستطع أن يخفي حقيقة ما جرى وما سمعه من آراء عربية، ولم يستطع أن يجمل الأمر أو يخفف منه كثيرا.
الجنرال قال للصحفيين: «اللهجة في اجتماعاتي في مصر والسعودية والإمارات كانت صريحة وواضحة.. شركاؤنا قلقون بشأن التزامنا طويل الأمد تجاه المنطقة».
حين يقول هذا.. حين يقول إن شركاءنا عبروا عن القلق، فهو يعني ما هو أبعد من ذلك ولم يشأ أن يقوله مباشرة. يعني أن «شركاء أمريكا» في الدول العربية الثلاث أبلغوه انتقاداتهم الشديدة لمواقف وسياسات أمريكا، وأنهم لم يعودوا يثقون في التزاماتها كحليف، ولا في جدوى استمرار التحالف معها.
كما نعلم ليس هناك جديد في الأمر. معروف أنه ومنذ سنوات أن هناك شرخا في علاقات التحالف بين الدول العربية وأمريكا. وهذا الشرخ يزداد اتساعا يوما بعد يوم حتى وصل إلى مرحلة الأزمة في العلاقات.
معروف أن الأزمة انتقلت من مرحلة الغضب العربي المكتوم من دون الإفصاح عن ذلك علنا، إلى مرحلة التعبير صراحة عن الانتقادات للسياسات الأمريكية والخلافات مع أمريكا، إلى مرحلة اتخاذ مواقف عربية عملية تترجم هذه الخلافات وتنطوي على تحد لأمريكا.
الجديد هو أن القائد العسكري الأمريكي الجديد سمع مباشرة الانتقادات للسياسات الأمريكية مباشرة من قادة الدول الثلاث ووقف على أبعاد الموقف العربي.
الجنرال وجد نفسه وجها لوجه أمام الحقيقة المرة، إن الأزمة بين أمريكا والدول العربية الحليفة عميقة جدا.
الجديد أن أمريكا اكتشفت الثمن الفادح الذي يمكن أن تدفعه من جراء تجاهلها طويلا للتحفظات والانتقادات العربية لسياساتها، ومن جراء مواقفها العدائية المستفزة تجاهنا، واكتشفت أنها كانت مخطئة في تقديرها للحد الذي يمكن أن تذهب إليه الدول العربية.
مع اندلاع أزمة أوكرانيا فوجئت الإدارة الأمريكية بالموقف العربي الصلب وبرفض الدول العربية الحازم الانسياق وراء مواقفها وتحقيق ما طالبت به خصوصا فيما يتعلق بالنفط.
يبدو أن هذه الصدمة من الموقف العربي أحد الأسباب الكبرى للزيارة التي قام بها القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية. من الواضح أنه أراد محاولة إصلاح ما أفسدته إدارة بايدن في علاقاتها مع الدول العربية الحليفة.
الجنرال كوريلا قال للصحفيين: «زرت ثلاث دول لدينا معها شراكات استراتيجية. رسالتي للدول الثلاث هي أن الولايات المتحدة شريك يعتمد عليه هنا وهذه العلاقة قوية».
بالتأكيد هذا ما حاول الجنرال إقناع الدول الثلاث به.. حاول إقناعهم بأن أمريكا لم تتخل عن الحلفاء وأنه يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها. لكن هل نجح في محاولته؟
الإجابة هي على الأرجح: لا.
من الصعب جدا تصور أن يكون الجنرال الأمريكي قد نجح في تبديد مخاوف الدول العربية، ولا في الدفاع عن سياسات ومواقف أمريكا، أو في إقناع أحد بأنه يمكن الاطمئنان إلى الإدارة الأمريكية الحالية.
السبب في فشله هذا لا علاقة للدول العربية به، بل هي مسئولية مباشرة لإدارة بايدن.
للحديث بقية بإذن الله.