أحمد الجارالله : الكويت بحاجة إلى رجال عضلاتهم في زنودهم وليس بكروشهم
“تخفيضُ التَّصنيف الائتماني للكويت، وإرباك قدرة الدولة على إدارة التدفقات النقدية، وارتفاع العقود الآجلة للدينار الكويتي أمام الدولار بحوالي 300 نقطة، وانخفاض أسعار سندات الكويت المُستحقة عام 2022 بحوالي 1%، كلها مؤشرات سلبية وجريمة بحق الوطن بسبب الفشل في إقرار قانون الدَّيْن العام”.
سمو رئيس مجلس الوزراء، وكل من يعنيه الأمر في الكويت، النص أعلاه تغريدة للدكتور حمد المروزق، وهو رئيس مجلس إدارة أحد البنوك الكويتية التي تمتلك الدولة 50 في المئة من أسهمه، والمضمون مؤشر خطر، يوجب العمل السريع لتلافي الأزمة العميقة التي تنتظر البلاد، وبالتالي لن تنفع معها حجج الحكومة أن مجلس الأمة لم يوافق على قانون الدين العام لاقتراض 20 مليار دينار تساهم بالخروج من الأزمة، فيما لاتزال التصنيفات الائتمانية من كبريات المؤسسات المعنية دولياً تتوالى سلباً، لذا عند أي انتكاسة مالياً، الشعب لن يرحم المسؤولين الذين تسببوا بها، وهذا الأمر دافعٌ كبيرٌ لتحمُّل كل شخص ذي صفة مسؤوليته جدياً، والانتهاء من المماحكات بين حكومة مستقيلة، ومجلس اختار تعطيل عمله؛ حتى تنفذ شروطه العبثية.
لا بدَّ أن يُدرك أصحابُ الشَّأن المسؤولون، في كلِّ الدول بالقضايا السيادية أنَّ لا شيء اسمه انتظار موقف مجلس النواب، خصوصاً في بلد مثل الكويت، أصبحت فيه الممارسة البرلمانية ألاعيب صغار، وابتزازاً مفضوحاً، وتمصلحاً على حساب الوطن والشعب، وكأننا في جمهورية موز تفتقر لأبسط مقومات الحصافة السياسية من أجل حمايتها، والعمل على حفظ حقوق شعبها وأجيالها.
هنا نسأل: هل عندما غزت قوات صدام حسين البلاد انتظرتم موافقة مجلس الأمة على الإجراءات الدفاعية؟! بل قبله في العام 1961، عندما افتعل عبدالكريم قاسم مشكلة لإجهاض استقلال البلاد، وكان ينوي غزوها، هل انتظرتم قرار مجلس الأمة، أم اتخذ المعنيون الإجراءات السيادية بعيداً عنه، رغم أن الديمقراطية التي تتغنون بها كانت وليدة، والجميع يلتزم أساسها وعناوينها العريضة؟
أليست الأزمة المالية الحالية تُهدِّد المصير الاقتصادي والمالي للبلاد؟ ألم يقترح خبراء ومؤسسات عدة خفض سعر صرف الدينار، بينما يعلم الجميع، حتى غير الخبراء، أنَّ أيَّ خفض يعني تهاوي سعر الصرف إلى ما لا نهاية، فهل تُدركون ذلك؟
لن نعيد تكرار ما قلناه في مناسبات سابقة عن التراجع الثقافي والاجتماعي الذي تسبَّب به الفهمُ الخاطئُ للديمقراطية، وكيف تحوَّلت الكويت إلى الانحدار على كل المستويات، وأصبحت هي تفكر والدول المجاورة تنفذ أفكارها التي تقتلها ديمقراطية مشوهة، كل الهدف منها المحاصصة، بدءاً من الاقتصاد، وصولاً إلى المناصب والوظائف.
أليس مجلس الأمة هو الذي عطَّل مشاريع حقول الشمال لأن مجموعة من المتنفذين لم تستفد منها، ومعها ضاع على الكويت 100 مليار دولار، وعشرين ألف وظيفة للمواطنين؟
أليس مجلس الأمة ومعه الحكومة ارتعدت فرائصهم حين هدد أحد النواب أن مشروع الـ”داو” لن يمرَّ إلا على جثته، فكبَّد التراجع عنه الدولة نحو ثلاثة مليارات دينار؟ وهم أيضاً من بذل جهده لمنع البدء في تنفيذ مشروع المنطقة الاقتصادية الشمالية، لو كان بدأ تنفيذه لنقل الكويت نقلة نوعية تاريخية كبرى؟
هذا الطعن والاستنزاف المُستمر، والعبث ليس ديمقراطية، بل هدم مُمنهج للدولة، وإغراقها بالأزمات إلى حد الاختناق، فهل ستبقى السلطاتُ المعنية تقف على رصيف الانتظار حتى يأتي الطوفان ويجرف الجميع؟
لدى الكويت رأسمال مهم، إذا أحسنت إدارته يُمكنها التعويض عن خسائرها، بل التحول إلى الربحية، ففي الصندوق السيادي نحو 600 مليار دولار، إضافة إلى ما يزيد عن مئة مليار برميل في باطن الأرض، وهي احتياطات كبيرة، لكنها تحتاج إلى وعي وحصافة في إدارة تعرف كيف ومتى تتخذ القرار بعزيمة، وليس عبر صفقات بين حكومة ضعيفة ومجلس نواب يستأسد عليها.
هذه الإرادة لابدَّ أن توجد لدى من يقود السلطة التنفيذية، كي يضع الحلول، وهي بالمناسبة سهلة وأبسط مما يتوهم البعض، ففي الدستور هناك إمكانية لتعليق المجلس فترة من الوقت، إضافة إلى مراسيم الضرورة، وربما التغريدة أعلاه، الصادرة من أحد المصرفيين المرموقين، جرس إنذار يوجب التحرك فوراً، وإدراك المخاطر التي تحدث عنها الرجل بصراحة.
إنَّ انتظار قرار مجلس الأمة والاتفاق معه، لن يكون سهلاً، فالنواب يستثمرون بكلِّ شيء من أجل مصالحهم، ولن يعيروا المصحلة الوطنية أيَّ اهتمام، بل إنهم يقدمون أنانيتهم على كل شيء، بينما مصير البلاد لا يترك لأنصاف المُثقفين والمُتمصلحين، والمُرتشين والمُفدسين وسارقي أموال الوزارات، ولهذا فإنَّ ما نحتاجُهُ، وعلى وجه السرعة، رجال عقولهم في خدمة بلادهم وليس لخدمة جيوبهم، وعضلاتهم في زنودهم، وليس في كروشهم، وإلا لن ينفع البكاء غداً على أطلال ديمقراطية مُشوَّهة ومُجتزأة أفسدت أكثر مما أصلحت.