أحمد الجارالله : وَحِّدوا إدارة المال السيادي الخليجي
بلَغَ حجمُ الصَّناديق السِّيادية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حتى بداية العام الحالي، نحو 3.5 تريليون دولار، أي ما نسبته 34 في المئة من حصة الصناديق العالمية.
هذه المبالغ الضخمة هي حصيلة مداخيل نفطية متراكمة، وإذا أديرت منذ البداية بحصافةٍ ومسؤوليةٍ، وتوخَّت الإدارات المالية تنويع مصادر الدخل، وروعيت مسألة حفظ الثروة للأجيال القادمة، وعدم إخضاع هذه الأموال للمحسوبيّة السياسيّة والترضيّات والمصالح الخاصة في بعض دول المجلس، لوَصَلَ الرَّقم إلى أكثر من سبعة تريليونات دولار.
أكثر من ذلك، لو وُجدت منظومة إدارة مالية موحدة لهذه الصناديق وفقاً لاتفاقية العملة المُوحدة والبنك المركزي الخليجي المُوقعة قبل نحو 14 عاماً، وفقاً لما ورد في النظام الأساسي للمجلس عام 1981 في مادته الرابعة “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها”، لكان المجلس اليوم قوة كبيرة قادرة على التحكم بالاقتصاد العالمي، ولكانت الدول الست قد تخطت الكثير من مشكلاتها، خصوصاً ما يتعلق بالعجز الدفتري بميزانيات تلك الدول، الناجم عن تذبذب أسعار النفط الذي سيُكلفها نحو 490 مليار دولار حتى عام 2023.
الثابت في النظام الأساسي لـ”مجلس التعاون” هو أنَّ المهمة الأولى للأمانة العامة للمجلس هي العمل على تحقيق الأهداف الستراتيجية والاتفاقات الموقعة بين الدول الأعضاء، لذا من المهم جداً أن تكون لديها خططها في هذا الشأن وتعمل على تنفيذها بدقة، إذ يُمكن إحياء البنك المركزي الخليجي والاستعانة بخبراء مُتمرسين ومتميزين من أبناء دول المجلس لإدارة الأصول السيادية الموحدة، أضف إلى ذلك أنه يُمكن بناء منظومة أمن غذائي مشتركة بين الدول الأعضاء.
إذ ماذا يمنع من أن تكون هناك مشاريع زراعية خليجية في صحاري الدول الأعضاء، في السعودية وسلطنة عمان والإمارات والكويت، وإنشاء عشرات المزارع المشتركة لزراعة الحنطة والحبوب والبقوليات، وحتى الفواكه والخضار على اختلاف أنواعها، في صحراء السعودية وبقية دول المجلس، إضافة إلى العمل المشترك على تربية المواشي في تلك الدول التي تستورد سنوياً نحو 90 في المئة من الغذاء، بما يعادل 54 مليار دولار.
تبلغ مساحة الصحراء في دول “مجلس التعاون” 2٫330 مليون كيلومتر مربع، وهي غير مستغلة على الإطلاق، وبفضل أنظمة الري والزراعة الحديثة يمكن تخضير هذه المساحات الهائلة التي لا تكفي فقط سكان دول المجلس، بل العالم العربي أيضاً من الغذاء، وتخفض فاتورة الاستيراد إلى أبعد حد.
لا شكَّ أنَّ هذا الأمر يحتاج إلى إرادة واحدة على قاعدة العمل “عود في حزمة” والإقلاع عن التنافس والمزاحمة في الكسب الأحادي لهذه الدول، فنحن لنا تجربة بالموقف الموحد وتأثيره عالمياً، أكان حين اتخذت تلك الدول موقفاً إزاء تصدير النفط إلى العالم، أو في مواجهة غزو صدام حسين للكويت، أو موقفها الحالي من العدوان الإيراني عليها عبر العميل اليمني الحوثي، وبالتالي إذا اتحدت هذه الدول في مسألة الأمن الغذائي وتوحيد الاستثمارات الخارجية فإنها ستكون بموقع أفضل بكثير من موقعها الحالي، فحفظ الأمن الغذائي والاستدامة المالية والرفاهية لشعوب المجلس لا بد أن تكون الهدف الأسمى لقادة هذه الدول.
ويبقى السؤال: هل هناك من يعقل ويتفكر ويتمعن بهذه الأفكار، أم أن أمانة “مجلس التعاون” مشغولة بأمور أخرى؟