رأي في الحدث

السيـد زهــره : بايدن والخليج.. أخطاء قاتلة

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬ورطة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭. ‬ورطتها‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬أدركت‭ ‬مؤخرا‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬أمامها‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬إعادة‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها،‭ ‬ولكنها‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬وخياراتها‭ ‬محدودة‭.‬

نلاحظ‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬محاولات‭ ‬دؤوبة‭ ‬ولحوحة‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬لاسترضاء‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬والتودد‭ ‬إليها،‭ ‬وتكرار‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬اكتشفت‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تدفع‭ ‬ثمنا‭ ‬فادحا‭ ‬جراء‭ ‬المواقف‭ ‬والتصريحات‭ ‬العدائية‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬وجراء‭ ‬سياسات‭ ‬أمريكا‭ ‬تجاه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬تخليا‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬التحالف‭ ‬التقليدية‭.‬

لهذا‭ ‬تحاول‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬جاهدة‭ ‬إصلاح‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬ورأينا‭ ‬مثلا‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬إيفاد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬إلى‭ ‬السعودية،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬إعلان‭ ‬زيارة‭ ‬مرتقبة‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬للرياض‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭.‬

من‭ ‬المفهوم‭ ‬أن‭ ‬وصول‭ ‬العلاقات‭ ‬ين‭ ‬أمريكا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬هو‭ ‬محصلة‭ ‬تراكمات‭ ‬ممتدة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭. ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬أساسية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وهذه‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬إدارته‭.‬

بايدن‭ ‬ارتكب‭ ‬أخطاء‭ ‬قاتلة‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أوصلتها‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭.‬

أول‭ ‬أخطاء‭ ‬بايدن‭ ‬القاتلة‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬أتى‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬أمريكا‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬رئيسه‭ ‬أوباما‭ ‬هو‭ ‬مثله‭ ‬الأعلى‭ ‬واتخذه‭ ‬قدوة‭ ‬في‭ ‬نظرته‭ ‬العنصرية‭ ‬العدوانية‭ ‬تجاه‭ ‬حكومات‭ ‬وشعوب‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭. ‬وسيرا‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬أوباما‭ ‬تمادى‭ ‬بايدن‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬وتصريحاته‭ ‬العدائية‭ ‬المستفزة‭ ‬لأي‭ ‬مواطن‭ ‬عربي‭.‬

وثاني‭ ‬أخطاء‭ ‬بايدن‭ ‬القاتلة‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يقدر‭ ‬فداحة‭ ‬الجرم‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبته‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬بحق‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬وشعوبها‭.‬

لم‭ ‬يقدر‭ ‬بايدن‭ ‬فداحة‭ ‬جرم‭ ‬أوباما‭ ‬عندما‭ ‬تآمرت‭ ‬إدارته‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬وتواطأت‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الطائفية‭ ‬التخريبية‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬واعتقدت‭ ‬أن‭ ‬بمقدورها‭ ‬زعزعة‭ ‬نظم‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬ولم‭ ‬يقدر‭ ‬فداحة‭ ‬جرم‭ ‬التواطؤ‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وإطلاق‭ ‬يدها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بتوقيع‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭.. ‬وهكذا‭.‬

بايدن‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬النهج،‭ ‬واتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التنكر‭ ‬للتحالف‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭.‬

ومن‭ ‬أكبر‭ ‬أخطاء‭ ‬بايدن‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يقدر‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الخليجي‭ ‬العربي‭ ‬وكيف‭ ‬سيكون‭ ‬والحدود‭ ‬التي‭ ‬سيذهب‭ ‬إليها‭.‬

بايدن‭ ‬بنى‭ ‬حساباته‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬مهما‭ ‬فعلت‭ ‬أمريكا‭ ‬ومهما‭ ‬ارتكبت‭ ‬من‭ ‬خطايا‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وبحق‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬الخليجية،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬سوف‭ ‬تقبل‭ ‬بهذا‭ ‬راضية،‭ ‬وسوف‭ ‬تظل‭ ‬ملزمة‭ ‬بالانسياق‭ ‬وراء‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والوقوف‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬عالمي‭ ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭.‬

طبعا‭ ‬اكتشف‭ ‬بايدن‭ ‬فداحة‭ ‬خطأ‭ ‬حساباته‭ ‬هذه‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والموقف‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬معروفا‭.‬

اكتشف‭ ‬بايدن‭ ‬مؤخرا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬أمريكا‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬الثمن‭ ‬فادح‭ ‬وسيكون‭ ‬أكثر‭ ‬فداحة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬وهذا‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬التحركات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭.‬

الأمر‭ ‬الغريب‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬هذا،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬أدركت‭ ‬حتمية‭ ‬تغيير‭ ‬سياساتها‭ ‬ومواقفها،‭ ‬فإنه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬العملية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭.‬

وستكون‭ ‬أكثر‭ ‬أخطاء‭ ‬بايدن‭ ‬فداحة‭ ‬أنه‭ ‬يتصور‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترضى‭ ‬ببضع‭ ‬تصريحات‭ ‬أمريكية‭ ‬إيجابية‭ ‬أو‭ ‬استرضائية،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الثقة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬مفقودة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى