رأي في الحدث

عبدالمنعم ابراهيم : ماذا ستفعل دول الخليج بالثروة القادمة مع زيادة أسعار النفط؟

رحمَ‭ ‬اللهُ‭ ‬المغفورَ‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأول‭ ‬لدولةِ‭ ‬الإماراتِ‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وصاحب‭ ‬الأفكار‭ ‬النيّرة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المسيرةِ‭ ‬التنمويَّةِ‭ ‬والاقتصاديَّةِ‭ ‬الصاعدة‭ ‬للإمارات‭ ‬وشعبها،‭ ‬فقد‭ ‬سأله‭ ‬صحفيٌّ‭ ‬مرة‭: ‬كيف‭ ‬صنعت‭ ‬هذه‭ ‬المنجزاتِ‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬والعمرانيَّة‭ ‬والتجاريَّة‭ ‬والسياحيَّة‭ ‬في‭ ‬دولةِ‭ ‬الإمارات؟‭ ‬فأجابه‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬سوى‭ ‬شيئا‭ ‬واحدا‭.. ‬كانت‭ ‬ثروةُ‭ ‬النفطِ‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭.. ‬أنا‭ ‬جعلتها‭ ‬ثروة‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‮»‬‭.. ‬حقا‭ ‬رؤية‭ ‬حكيمة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬حكيم‭.‬

والآن‭ ‬دعونا‭ ‬نتوقفُ‭ ‬أمامَ‭ ‬خبرين‭ ‬نُشرا‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭.. ‬حيث‭ (‬أظهرت‭ ‬بياناتُ‭ ‬التداول‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬الماضي‭ ‬ارتفاعَ‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬العالمية،‭ ‬وتجاوز‭ ‬سعر‭ ‬البرميل‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬120‭ ‬دولارًا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬شهرين،‭ ‬وذلك‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬24‭ ‬مارس،‭ ‬وارتفع‭ ‬سعرُ‭ ‬العقودِ‭ ‬الآجلة‭ ‬لشهر‭ ‬يوليو‭ ‬للنفط‭ ‬خام‭ ‬برنت‭ ‬بنسبة‭ ‬0‭,‬54‭ ‬بالمائة‭ ‬ليبلغ‭ ‬سعر‭ ‬البرميل‭ ‬122‭,‬33‭ ‬دولارًا،‭ ‬بينما‭ ‬ارتفع‭ ‬سعرُ‭ ‬العقودِ‭ ‬الآجلة‭ ‬من‭ ‬الخام‭ ‬نفسه‭ ‬لشهر‭ ‬أغسطس‭ ‬بنسبة‭ ‬0‭,‬64‭ ‬ليبلغ‭ ‬سعرُ‭ ‬البرميل‭ ‬118‭,‬33‭ ‬دولارًا‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أسعارَ‭ ‬النفطِ‭ ‬في‭ ‬ازديادٍ‭ ‬مضطرد،‭ ‬وإذا‭ ‬استمرت‭ ‬حربُ‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فترةً‭ ‬طويلة‭ ‬يرجحُ‭ ‬الخبراءُ‭ ‬أن‭ ‬يصلَ‭ ‬سعر‭ ‬برميل‭ ‬النفط‭ ‬عالميًّا‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭.‬

أما‭ ‬الخبر‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬السابق‭ ‬يقول‭: (‬توقعَ‭ ‬مسؤولٌ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ (‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭) ‬أن‭ ‬تحققَ‭ ‬دولُ‭ ‬الخليج‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ ‬مكاسبَ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1‭,‬4‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬الأرباحِ‭ ‬الإضافيةِ‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬إلى‭ ‬الخمس‭ ‬المقبلة‭ ‬مع‭ ‬استمرارِ‭ ‬ارتفاعِ‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ (‬جهاد‭ ‬أزعور‭) ‬إن‭ ‬الحربَ‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والعقوبات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬زيادةٍ‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬أسعارِ‭ ‬السلعِ‭ ‬الأساسية،‭ ‬ما‭ ‬سيزيدُ‭ ‬من‭ ‬التحدياتِ‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ولاسيما‭ ‬البلدان‭ ‬المستوردة‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.. ‬وبعد‭ ‬زيادة‭ ‬حادة‭ ‬بلغت‭ ‬الذروة‭ ‬عند‭ ‬130‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تستقرَ‭ ‬أسعارُ‭ ‬النفط‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬متوسط‭ ‬سنوي‭ ‬يبلغ‭ ‬107‭ ‬دولارات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بزيادة‭ ‬38‭ ‬دولارا‭ ‬عن‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وبالمثل‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ترتفعَ‭ ‬أسعارُ‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬بنسبة‭ ‬14‭ ‬بالمائة‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭.‬

وأشار‭ ‬المسؤولُ‭ ‬في‭ (‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭) ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتوقعُ‭ ‬أن‭ ‬يرتفعَ‭ ‬سعر‭ ‬النفط‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعام‭ ‬الماضي‭ ‬بنسبة‭ ‬55‭ ‬بالمائة‭ ‬ما‭ ‬سيحسن‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬النمو،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تدفقات‭ ‬رأس‭ ‬المال‭.. ‬وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬إلى‭ ‬الخمس‭ ‬المقبلة‭ ‬نتوقع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تريليون‭ ‬إلى‭ ‬1‭,‬4‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬العائدات‭ ‬الإضافية‭ ‬للدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط،‭ ‬وخاصة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭).‬

إذن‭ ‬هناك‭ ‬ثرواتٌ‭ ‬طائلةٌ‭ ‬سوف‭ ‬تحققها‭ ‬الدولُ‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬نحن‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭.. ‬وهنا‭ ‬يرتفعُ‭ ‬سؤالٌ‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭: ‬ماذا‭ ‬سوف‭ ‬تفعلُ‭ ‬دولُ‭ ‬الخليج‭ ‬بهذه‭ ‬الثروةِ‭ ‬المتحصلة‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬العالم؟‭ ‬هل‭ ‬سوف‭ ‬تستثمرها‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وتطوير‭ ‬صناعات‭ ‬بتروكيماوية‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬السوق‭ ‬العالمي،‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬شبكة‭ ‬مواصلات‭ ‬وقطارات‭ ‬وجسور‭ ‬ومترو‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج؟‭ ‬أم‭ ‬سوف‭ ‬يتم‭ ‬استثمارها‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬طبية‭ ‬وعلاجية‭ ‬ومصحات‭ ‬ومستشفيات‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭ ‬الدوائية‭ ‬وإنتاج‭ ‬اللقاحات‭ ‬والأمصال‭ ‬العلاجية‭ ‬للفيروسات‭ ‬الفتاكة‭ ‬في‭ ‬العالم؟

منذ‭ ‬فترةٍ‭ ‬قصيرة‭ ‬قرأتُ‭ ‬في‭ ‬الصحافةِ‭ ‬أن‭ ‬سلطنةَ‭ ‬عمان‭ ‬تفكرُ‭ ‬في‭ ‬تسديد‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭ ‬الحالية،‭ ‬وهي‭ ‬فكرةٌ‭ ‬جيدة‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬السلطنةُ‭ ‬بعيدةً‭ ‬عن‭ ‬عبء‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬وأرباحها‭ ‬المكلفة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المحلي‭.‬

وهناك‭ ‬جانبٌ‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬تستفيدَ‭ ‬منه‭ ‬دولُ‭ ‬الخليج‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط،‭ ‬وهو‭ ‬ضرورةُ‭ ‬أن‭ ‬تنعكسَ‭ ‬زيادةُ‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬عالميًّا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬للمواطنين،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬الرواتب‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬14‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬أقل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬إنتاجًا‭ ‬وتصديرًا‭ ‬للنفط،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬سعر‭ ‬البرميل‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬65‭ ‬دولارا‭ ‬إلى‭ ‬122‭ ‬دولارا‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والعقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬نستطيع‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭ ‬إيجابي‭ ‬لصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬أيضا،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬زيادةُ‭ ‬الرواتب‭ ‬غير‭ ‬واردةٍ‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الموظفين‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬تخفيفُ‭ ‬العبء‭ ‬المعيشي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تخفيض‭ ‬معدل‭ (‬القيمة‭ ‬المضافة‭) ‬من‭ ‬10‭ ‬بالمائة‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬بالمائة‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬عليه‭ ‬سابقا،‭ ‬لأن‭ ‬النسبة‭ ‬الحالية‭ ‬حقا‭ ‬تشكل‭ ‬عبئا‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬وخصوصا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬كالمكيفات‭ ‬والأجهزة‭ ‬المنزلية‭ ‬والثلاجات،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬كالهواتف‭ ‬وتأمين‭ ‬السيارات،‭ ‬وإصلاحها‭ ‬في‭ ‬الكراجات،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬السيارات‭ ‬بعد‭ ‬خضوعها‭ ‬لنسبة‭ ‬10‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭.‬

باختصار‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬بسياسة‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وهي‭ (‬قلب‭ ‬الثروة‭ ‬من‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭) ‬لينعم‭ ‬بها‭ ‬المواطن‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى