عبدالله بشارة : أزمة الكويت.. وأبواب الخروج منها
موجات الأسى والأسف على الحالة التي تعيش فيها الكويت منذ بداية الدورة الحالية للمجلس، والتي انفجرت مع التصويت على رئاسة المجلس وما رافق تلك العملية من تدخلات استعراضية لم يسبق لها التواجد في حياة الكويت البرلمانية.
وصحيح أن الانتخابات جاءت بالسيد مرزوق الغانم رئيساً لهذه الدورة، غير أن ما صاحبها من مفردات ونعوت وتطاول أصابت مقام المجلس، وسببت العوار لرئيس المجلس الحالي الذي فاز بشرعية الأغلبية، لكن المجموعة التي خسرت الجولة لم تستسلم، فجندت كل ما هو محتمل للتضييق على الرئاسة ومحاصرتها مع مساع ليكون الاضطراب داخل القاعة سيد المواقف.
صارت الجروح عميقة، وتسلحت كل فئة من تجمعات المعارضة بما لديها من فنون الابتكار لتعطيل المسار ووضع العراقيل مع تصوير الرئيس ومسانديه بالعجز وفقدان المقدرة أمام صلابة المعارضة التي أقسمت بمواصلة المعارك للتخلص من الرئاسة، بأية وسيلة ممكنة، والدفع نحو حل المجلس من أجل فتح الأبواب لانتخابات جديدة تتبنى فيها المعارضة استراتيجية إزاحة مرزوق الغانم من مقعده، وتعقيد الطريق أمام عودته لكي لا يحرز الرئاسة مرة أخرى.
ومع مرور الوقت واستمرار الرئيس في مكانه يدير الجلسات بشيء من الانشراح، كان واضحاً بأن الحكومة عازمة على استمرار الدورة وفق اللائحة، لا حل مهما كان الاعتراض، مع التزام الهدوء وإبراز العزم برفض محاولات التعطيل.
ولم تستكن المعارضة واعتمدت على ذخيرتها في المواجهة التي أدخلت سمو رئيس الوزراء، كهدف للسهام الغاضبة التي تطلقها ضده، وبعنف، فيها التعالي وفيها نزعة التحجيم، وتصاعدت حدة الأزمة وتكاثرت الاصوات للتخلص من رئيس الوزراء باللجوء إلى طرح الثقة به وسحب القناعة منه، ومن هنا دخلت الكويت في فصل المواجهة الحادة بعد أن أعلنت المعارضة التصميم على إطاحة رئيس الوزراء، فتحولت أهداف المعارضة إلى ثنائية الاستهداف للتخلص من الرئيسين الاثنين، ووضع القيادة العليا في وضع لا مفر فيه من حل المجلس، ولم يتحقق ذلك لأن القيادة استحسنت كسب الوقت وتبريد الأجواء وإزاحة الغلاظة من المناخ العام، ومارست فنون التطويق، وطلبت من رئيس الوزراء استمرار العمل مع الحق في عدم تعطيل القضايا العاجلة وحسم أمورها وفق القانون وإملاءات المصلحة الوطنية.
وبعد الجلسة الدراماتيكية التي غاب عنها عدد من نواب المعارضة، واتخذ فيها البرلمان قراره بالمصادقة على منحة المتقاعدين ثلاثة آلاف دينار، بأغلبية 38 صوتاً، لم يعد هناك احتمال باستعادة مناخ يتمكن فيه البرلمان من اتخاذ قرارات لها قيمة، فعندما نسمع أوصافا من قبل أحد النواب لزميل له أنه فاقد للأخلاق والقيم، مع إضافات بأنه يطوع السلطة التشريعية لخدمة رغباته وأنه لا يحترم الدستور، ويتعدى على حقوق النواب وعلى صلاحيتهم الدستورية، ويتم كل ذلك في أجواء فيها حكومة معطلة، لم يحضر جلستها رئيس الوزراء، وفي بلد تملأه التساؤلات عن اتجاهات المستقبل وعن كيفية التغلب على هذا المطب المؤلم، دون إصابات أو جروح تعطب ضلوع الكويت، وعن الحالة الغامضة التي ستفرزها هذه الأزمة وعن نوعية كويت المستقبل، وهل تنجو من أعباء وأثقال الأزمة؟
هناك واقع لا بد أن يدركه النواب المعارضون، والصامتون منهم، فالشعب الكويتي يعطي الأهمية القصوى للاستقرار وحفظ السلامة وصون القانون وتأمين اعتيادية الحياة في الكويت التي يضعها فوق الدستور وفوق الاجتهادات، ولم يعد يهتم بمن سيفوز، فالنظرة الشعبية بأن هذا خلاف بين أصحاب مصالح حول الوسائل الممكنة لتحقيق أهداف ليس عليها إجماع وليس لها أغلبية، ويخطئ من يظن بأن معارك النواب تهز البلد، والحقيقة أن المواطنين يتابعون ما يحدث لأنها مسلية في محتواها، لكنها محرجة ومخزية لصورة الكويت أمام العالم الخارجي، لكنها ليست عبئا على حياة الشعب ولا دور لها في التأثير على مستقبله، ولا يهمه من يكسر من، مع توقعات يحملها هذا الشعب بأن يقدم نواب المعارضة استقالاتهم من عضوية المجلس، ففي هذه الخطوة لا مفر من إجراء انتخابات جديدة، فطالما أن خطوة الحل بيدها، فالأسئلة تدور والاجتهادات تتسع عن مسببات التأخير، وهل لها علاقة بالخوف من فقدان المقعد أم أن هناك مبررات غير معلنة تجعل المعارضة تحرص على مواصلة البقاء داخل قاعة المجلس معتمدة على تكاثف الاهتمام الإعلامي، مع إسقاطات سلبية على الحكومة التي لم تحسن الإدارة في أجواء العاصفة، ولم تمارس حقها في التصدي لانفعالات المعارضة ولقباحة مفرداتها.
لن يذرف أحد دموع الأسى على حل المجلس، ولن يتحسر مجتمع الكويت إذا ما جاءت الانتخابات بوجوه غير الذين تسببوا في الأزمة، كما لن يتخوف هذا المجتمع إذا ما عاد الجميع أو نصف الجميع، والسبب أن الأولويات التي طرحتها المعارضة لم تكن معبرة عن مشاريع ومقترحات تنموية تأخذ الكويت إلى فصل آخر، وإنما تركز جهد المعارضة على التخلص من الرئيس، بوسائل فيها حدة ومزعجة، وإذا لم تنجح فهناك المواجهة الغليظة والتشهير الإعلامي، واللجوء إلى أساليب التصغير.
لم تحقق المعارضة مكسباً تبرر فيه هذه الغلاظة غير المسبوقة التي أضرت بسمعة الحياة البرلمانية، ومهما كانت حصيلة المستقبل، ستظل اللوحة التعسة حية في ذاكرة من يتابع مجرى البرلمان الكويتي، وعندي يقين بأن الأخوة الخليجيين يواصلون المتابعة مع شعوري بأن من لديه حنية على التجربة الكويتية سيضع حساباته مجدداً للتقييم مدفوعاً بالسلبيات التي غمرت مناخ الكويت.
لم تعد للمعارضة خيارات سوى تقديم الاستقالة، لعلها تكون مخرجاً مريحاً للجميع..
تحية للدكتور خالد أحمد الصالح
كتب الدكتور خالد الصالح مقالاً قصيراً في صحيفة الراي في عددها الصادر يوم الخميس التاسع من الشهر الجاري، تعليقاً على المقال الذي كتبته بعنوان «مضايقات كويتية من صيف باهت»..
أحيي الدكتور خالد على نشاطه المتنوع بين الطب ومسؤولياته والإعلام الذي يستهويه، والنشاط الاجتماعي الذي انغمس فيه، وأشير إلى تلميحاته بأنني أختار مفردات الغموض تحاشياً للتصريح الواضح..
يا أخ خالد، أختار كلماتي وفق الطاقة التي تتحملها الكويت، ليس فيها استعداء ولا إثارة ولا مجابهات لا تتحملها الكويت، مع الإصرار على الأنغام الهادئة التي تحمل المعاني وتحترم الواقع الكويتي الذي لا يهضم غلاظة المواقف ويفضل القول الحسن والمريح.
ما زلت مصراً على استمرار تواجد رئيس وزراء من أبناء الأسرة، مع علمي بأن الدستور لا يغلق الأبواب أمام مرشح من أبناء الوطن، وأتمنى أن يكون النائب الأول من أبناء الشعب يتابع مسار الوزارات ويقوم بتأمين التناغم بين مجلس الأمة ورئاسة الوزراء..
ما زلنا في مرحلة لم نصل إلى نظام الأحزاب، وتجربة الكويت البرلمانية تحتاج للاعتدال في المطلوب، والواقعية في التقدير، قوة أنظمة الخليج تنبع من الشرعية التاريخية التي أسست شبكة التداخل بين الأسرة والمجتمع، وتتأثر مجتمعاتها إذا ما أصاب الضعف أحد الطرفين، ومن هنا فالحرص على الملاءة السياسية للجميع هو الضامن الوحيد للاستقرار واستدامة السيادة والتنمية في الكويت وفي دول مجلس التعاون.. وحياك الله..