عبدالمنعم ابراهيم: حلف أمريكا للدفاع الجوي.. إرضاء لإسرائيل وليس حماية للخليج
ما أكثر التحالفات العسكرية التي شكلتها الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتحديداً في منطقة الخليج والعراق، بعضها كان ناجحاً من زاوية إبقاء نفوذ (واشنطن) في المنطقة، والبعض الآخر كان مشلولاً ومتعثراً بسبب تغيير ألأجندات الرؤساء الذين يمثلون كرسي (البيض الأبيض) وتحديد صفة الأولويات في السياسة الخارجية الأمريكية.. ونحن الآن أمام تحالف عسكري جديد تحدث عنه وزير الدفاع الإسرائيلي (بيني جانتس) منذ يومين، حيث قال: «إن إسرائيل تبني تحالفاً للدفاع الجوي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة.. وخلال العام الماضي كنت أقود برنامجاً مكثفاً مع شركائي في البنتاجون والإدارة الأمريكية سيعزز التعاون بين إسرائيل ودول المنطقة.. هذا البرنامج بدأ العمل به بالفعل، وتمكن بنجاح من اعتراض محاولات إيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى.. وآمل أن نتخذ خطوة أخرى إلى الأمام في هذا الجانب من التعاون الإقليمي خلال زيارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) القادمة للمنطقة)، وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز: «إن الدول المشاركة تنسق لتشغيل أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها من خلال الاتصالات الإلكترونية عن بُعد، لكنها لا تستخدم نفس المنشآت».
وبحسب وكالات الأنباء، سوف يزور الرئيس الأمريكي (بايدن) المنطقة في الفترة من 13 إلى 16 يوليو القادم.. وتشمل الجولة إسرائيل والسعودية، حيث سيلتقي قادة عرباً، وقال دبلوماسي غربي في المنطقة لرويترز: «إن واشنطن مازالت تعمل على إقناع دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة واحدة بالموافقة على الانضمام إلى نظام دفاع جوي أمريكي – إسرائيلي متكامل.. وهذا الاقتراح سيساعد في سد الفجوة التي تركها سحب العتاد الأمريكي على مدى العامين الماضيين من المنطقة».
لنتوقف ونفكر مليا في المعلومة الأخيرة التي وردت في الخبر (سوف يساعد هذا الحلف الجديد في سد الفجوة التي تركها سحب العتاد الأمريكي على مدى العامين الماضيين من المنطقة). وطبعاً المقصود به ما قام به الرئيس (جو بايدن) منذ اليوم الأول لدخوله (البيت الأبيض) قبل عامين تقريباً، حيث سحب منظومة (ثاد) الصاروخية الأمريكية، ومنصات صواريخ (باتريوت) من الأراضي السعودية التي نشرها سلفه (ترامب) لتمكين السعودية من التصدي للصواريخ الباليستية والمسيّرات الإيرانية، حين قصفت منشآت أرامكو النفطية ومطارات مدنية تحت غطاء (الحوثيين) في اليمن!!
هذا يعني أن (إدارة بايدن) لا تفكر في إعادة نشر منظومة (ثاد) الصاروخية، وصواريخ (باتريوت) مجدداً في السعودية والإمارات، وبقية دول الخليج التي تعتبرها (واشنطن) حليفة! إنما (بايدن) يريد إرضاء إسرائيل فقط، من خلال إقامة هذا (التحالف للدفاع الجوي في الشرق الأوسط) بقيادة أمريكية كالعادة ومشاركة إسرائيلية خليجية!
نحن ندرك أن المخاطر الإيرانية لا تزال قائمة في المنطقة، وتهدد إسرائيل مثلما تهدد دول الخليج أيضاً، ومع تصاعد التوترات بشأن برنامج طهران النووي تعرضت إسرائيل والسعودية والإمارات وأجزاء من العراق لضربات جوية بطائرات مسيّرة أو بصواريخ أعلنت فصائل مدعومة من إيران مسؤولياتها عنها، لكن التعويل على تحالف عسكري للدفاع الجوي بقيادة أمريكية لن يكون محرزاً أو صمام أمان لدول الخليج العربية وتحديداً السعودية والإمارات، ضد التهديدات الأمنية والعسكرية الإيرانية المستمرة، وخصوصاً مع وجود الرئيس الأمريكي (جو بايدن) في رئاسة البيت الأبيض، الذي يعتبر (أمن دول الخليج) مسألة ثانوية، وأن الثقل الأمريكي ينصب حالياً لمواجهة روسيا في أوكرانيا عسكرياً، ومواجهة الصين في (تايوان) والمحيطين الهندي والهادي.. يضاف إلى ذلك نظرة الرئيس الأمريكي (بايدن) الاستعلائية للقادة العرب والتعامل معهم بدونية، وزيارته القادمة للسعودية واجتماعه بالقادة الخليجيين ومع مصر والأردن والعراق لن تضيف جديدا في موقفه الهارب من المنطقة.
إدارة بايدن الحالية لا تفكر في إنشاء تحالفات عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط والخليج.. هذه مسألة خارج الأجندة الأمريكية الحالية، إنما (حلف للدفاع الجوي) لإرضاء إسرائيل، وليس دعماً حقيقياً لدول الخليج والسعودية تحديداً، لو كان (بايدن) حقاً يريد مساعدة السعودية والإمارات وبقية دول الخليج لما أمر بسحب منظومة (ثاد) و(باتريوت) الصاروخية من السعودية، وهو يشاهد الصواريخ البالستية والمسيرات الإيرانية تقصف منشآت نفطية ومطارات مدنية ومدناً سكنية في السعودية والإمارات!
لو كان (بايدن) يريد مساعدة السعودية ودول الخليج حقاً، لما نزع اسم الانقلابيين الحوثيين من قائمة (المنظمات الإرهابية) التي أعلنها سلفه ترامب! وهذا القرار من (بايدن) هو الذي شجع الحوثيين على زيادة هجماتهم الصاروخية ضد السعودية والإمارات. مثلما شجع (بايدن) الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق على قصف كردستان العراق وقواعد عسكرية ومطارات مدنية في العراق بقراره عدم الرد على تلك الهجمات الإرهابية الإيرانية!
الحلف العسكري الذي يروج له حالياً (جو بايدن) ويبشر به وزير الدفاع الإسرائيلي (بيني جانتس) لن يكون العصا السحرية لتأمين المنطقة، وعلى دول الخليج العربي أن تفكر في تحالفات عربية – عربية، لأن الأمن القومي العربي لا يتجزأ.. كلنا أصبحنا في حالة خطر مع تزايد احتمالات الصدام العسكري المباشر بين روسيا وأمريكا في أوكرانيا.