د. عبدالله المدني : أفغانستان بعد 10 أشهر من حكم طالبان
صدعت حركة طالبان رؤوس العالم طويلاً بأنها هي الخيار الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان وإخراج البلاد من أتون الفوضى والدمار وسنوات الحرب الطويلة، وأن ما عداها من قوى سياسية ليست سوى بيادق يحركها الأجنبي المحتل ولا تحظى بأدنى شعبية كي تقود الأفغان إلى الأمن والأمان والازدهار المنشود.
أما الذين ذكروها بتاريخها الأسود وسنوات وجودها في السلطة من عام 1996 إلى 2001 وكيف أنها تسببت ببطشها وطيشها في زيادة عزلة البلاد وتمزقها وتخلفها فقد ردت عليهم بأنها تغيرت وتخلت عن الكثير من مفاهيمها وأجنداتها الظلامية السابقة. والغريب أن قوى عدة، راحت تردد مقولة أن «طالبان اليوم ليست كطالبان الأمس»، بمعنى أن سنوات النفي والمطاردة علمتها الدروس فباتت مختلفة.
مضى اليوم نحو عشرة أشهر على استيلاء الحركة على السلطة مجدداً في هذه البلاد المنهكة من الحروب المتواصلة والتدخلات الخارجية، بدأت بفرار القوات الأمريكية والغربية منها في أغسطس 2021 في مشهد فوضوي موثق. فما الذي شهدته أفغانستان مذاك إلى اليوم؟ وما حجم التغيير الجبار الذي تحقق للأفغان على يد طالبان؟
الإجابة صفر من الإنجازات! بل إن الحقائق على الأرض تقول إن طالبان لم تكتف بذلك فحسب، وإنما محت، بفرماناتها التعسفية، كل ما تحقق من أشياء حضارية بسيطة في ظل حكومتي البلاد السابقتين.
وفوق ذلك عجزت عن إقناع العالم بتغير أجنداتها المعروفة كي تحافظ على تدفق المساعدات الإنمائية من المجتمع الدولي وبعض الأقطار المجاورة التي كانت قد شرعت في إقامة مشاريع تنموية تعود بالخير على الأفغان.
فإذا ما تحدثنا عن القتال وأعمال الاغتيال والتفجير وترويع الآمنين، نجد أنها تفاقمت منذ أغسطس الماضي، بل شهدت تطوراً لجهة طرق التنفيذ والكر والفر ونوعية الأطياف والمراكز المستهدفة.
وتكفينا الإشارة هنا إلى تفجير الجوامع والمساجد والسيارات والشاحنات في سلسلة من الحوادث المتسلسلة والمتشابهة، واستهداف رموز الأقليات بالاغتيال، واعتقال المشكوك في ولائهم وإيداعهم المعتقلات الرهيبة دون محاكمة تستوفي شروط العدالة والنزاهة.
ومما لا شك فيه أن بسط طالبان سلطتها على أفغانستان بالقوة المسلحة، وعجزها عن إقامة نظام ديمقراطي متسامح يعيش الشعب في ظله بكرامة وحرية، فجر مكامن الغضب والانتقام لدى أطياف كثيرة من الأفغان ممن راحوا يشكلون أحزاباً وجماعات سرية لمقاومتها، خصوصاً في ظل وجود أحقاد دفينة من الماضي وخلافات مذهبية وأيديولوجية، وتضارب في المصالح.
وهكذا رأينا ميلاد العديد من التنظيمات المسلحة الجديدة وتفرخها، من رموز سياسية ومسلحين كانت لهم ارتباطات بالنظام السابق وخدموا في قواته الأمنية والعسكرية، أو من جماعات لطالما ناصبت طالبان العداء كجماعة القائد الراحل أحمد شاه مسعود، أو من جماعات تمردت على قيادة طالبان لصالح تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، أو من جماعات مذهبية تدين بالولاء للنظام الإيراني، وغيرها.
ومن أمثلة هذه التنظيمات: «جبهة المقاومة الوطنية» الشمالية بقيادة أحمد مسعود وأمر الله صالح نائب رئيس الجمهورية المخلوع، و«جبهة الحرية الأفغانية»، و«الحركة الوطنية الإسلامية لتحرير أفغانستان»، و«جبهة الخلاص الوطني»، علاوة على مجموعة حديثة التكوين يقودها الجنرال سامي سادات الذي عينه الرئيس أشرف غني، في أيامه الأخيرة، قائداً للقوات الأمنية الأفغانية الخاصة.
ومن ناحية أخرى صبت طالبان بنفسها الزيت على النار من خلال قيامها بإطلاق سراح المئات من مقاتلي تنظيم خراسان الداعشي وتنظيم القاعدة من سجن قاعدة بغرام بمجرد استيلائها على السلطة، كنوع من التودد لهم كي يعودوا إلى بيت الطاعة الطالبانية بعد انشقاقهم عنها وانضمامهم إلى منافسيها، الأمر الذي سمح للتنظيم الأول بزيادة عدد مقاتليه إلى نحو 4000 مقاتل طبقاً لتقرير نشرته الأمم المتحدة.
أما لجهة الوضع الاقتصادي، فهو الآخر لم يشهد أي تحسن، بل زاد سوءاً تحت نظام الحركة الجاهلة بكيفية إدارة الشأن الاقتصادي، وهو ما جعل البلاد تتجه نحو مجاعة واسعة، لاسيما مع عجز الإدارة الطالبانية عن نيل اعتراف المجتمع الدولي لتلقي المعونات والقروض، دعك مما يشهده العالم من قلق حول إمدادات الغذاء بسبب الحرب الأوكرانية ــ الروسية.
وأما أوضاع حقوق الإنسان، التي تحسنت كثيراً بـُعيد سقوط إمارة الملا محمد عمر في سبتمبر 2001، فقد تقهقرت اليوم وباتت كحالها قديماً إن لم يكن أسوأ. حيث تراجعت طالبان سريعاً عن قرار لها بالسماح بفتح مدارس البنات بحجة أن الموضوع مؤجل إلى حين وضع خطة متفقة مع الشريعة الإسلامية حول شكل الزي المدرسي.
كما أن طالبان أصدرت فرماناً يلزم جميع الأفغانيات بارتداء النقاب في الأماكن العامة تحت طائلة معاقبتهن، بما فيهن مذيعات التلفزيون، وفرماناً آخر يحظر على النساء السفر دون محارمهن، وفرماناً ثالثاً يجيز للشرطة الدينية مراقبة الوجوه والأجساد واللحى في شوارع العاصمة وأسواقها.